للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

النّاسِ بالفسْخِ، وأنهم إنّما فعلوا ذلك قَصداً إلى إِبطال القول بوجوب الفسخ، ولم يكن القصدُ إلى تفضيلِ الإِفرادِ مُطلقاً.

وأمّا بالنسبة لعائشة والزبير: فقد تقدّم بيان أنهما لم يُحِلاّ بعُمرة، أما عائشة فكانت حائضاً فأدخلت الحج على العُمرةِ فصارت قارنة، فيصدق عليها أنها كانت معتمرة، لكنها لم تحل من إحرامها إلا يوم النحر، وأما الزبير فإنه كان قارناً لكونه ساق الهدي ولم يحل إلا يوم النحر، فيصدق عليه أنه كان معتمراً، وأما إطلاق أنهما داخلان في قول أسماء: فلما مسحوا الركن حلوا، فليس بصحيح، فإنما عَنَتْ أسماءُ نفسها، ومن لم يَسُق الهدي ممن ذكرت بقولها: فلان وفلان، وقد اشتهر أمر عائشة بما لا يخفى على أحد، حتى نقله جابر بن عبد الله، فكيف يخفى أمرها على أختها أسماء، وأما الزبير فإن أسماء نفسها هي من أخبرت بأنه لم يحل من إحرامه لأنه كان ممن ساق الهدي، وأنه قال لها لما جاءته متطيبة بعد إحلالها من العمرة: استأخري عني.

ومما قلت أيضاً عند الحديث رقم (١٧٩١) مما يبين أن ابن عباس أفتى بفتياه التي شغبت في الناس، بفهم فهمه هو من كلام النبي : قلت: وقول ابن عباس هنا: كذلك سنة الله ﷿ وسنة رسوله ، لا يشمل ما تقدّم ذكره من فتيا ابن عباس، فلا نحكم له بالرفع، وإنما هو فهم فهمه ابن عباس من الكتاب، ومن أمر النبي من لم يسق الهدي من الصحابة أن يحلُّوا من حجهم الحل كله، وقد علل ذلك النبي بقوله: «فقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة»؛ وذلك فيما رواه شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله : «هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم يكن عنده الهدي فليحل الحل كله، فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة»، وفي رواية: «هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم يكن معه هدي فليحل الحل كله، فقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة». [أخرجه مسلم. (١٢٤١/ ٢٠٣) وتقدّم برقم (١٧٩٠)].

ففهم ابن عباس من ذلك الدخول دخول لزوم لا ينفك أبداً عن المكلفين، وأنه قد ترتب عليه نسخ نسك الإفراد، وأن كل من دخل مكة حاجاً ولم يسق الهدي؛ فقد حل من إحرامه بمجرد فراغه من الطواف والسعي، وصارت عمرة؛ شاء ذلك أو أبى.

والصواب في ذلك: أن النبي إنما أراد إعلام الصحابة بجواز دخول العمرة في أشهر الحج، وقوله: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة»، يعني: لا بأس بالعمرة في أشهر الحج، سواء بمجرد الاعتمار في أشهر الحج؛ كما فعل في عمرة القضية وعمرة الجعرانة، أو جواز دخول العمرة مع الحج في أشهر الحج بالقران والتمتع، وهذا هو ما فهمه الخلفاء الراشدون الأربعة وغيرهم من كبار الصحابة.

والدليل على أن ذلك كان استنباطاً من ابن عباس، ولم يكن هذا نص ما قاله النبي :

<<  <  ج: ص:  >  >>