للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الفسخ المدعى، وهم كانوا أعلم برسول الله وبسنته وبمراده بما قال في الحج من ابن عباس وأبي موسى، ومن أولى أن يخطأ في فهمه: ابن عباس وأبو موسى، أم كبار الصحابة وفيهم الخلفاء الراشدون؟!

وقد كان الإفراد مشهوراً من فعل الخلفاء الراشدين:

فقد روى أبو حصين [عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي]، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه: حججت مع أبي بكر وعمر وعثمان فجردوا الحج.

وفي رواية: قال: حججت مع أبي بكر فجرد، ومع عمر فجرد، ومع عثمان فجرد.

أخرجه ابن أبي شيبة (٣٠٢/ ٨/ ١٤٨٩٠ و ١٤٨٩١ - ط الشثري)، وغيره.

وهو موقوف على الخلفاء الثلاثة، بإسناد صحيح. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (١٧٩٣)، في المجلد الخامس والعشرين، وراجع بقية أسانيده هناك].

هـ ومما يؤكد صحة رواية أبي الأسود هذه عن عروة:

ما رواه شعبة، عن قتادة، قال: سمعت أبا حسان الأعرج، قال: قال رجل من بني الهجيم لابن عباس: ما هذه الفتيا التي قد تشعفت أو تشعبت بالناس، أن من طاف بالبيت فقد حلَّ؟ فقال: سنة نبيكم ، وإن رغمتم. [أخرجه مسلم (٢٠٦/ ١٢٤٤)، وقد سبق تخريجه تحت الحديث السابق برقم (١٧٩٢)].

فالعجب ممن يرى تتابع الإنكار على ابن عباس في فتياه هذه، وأن عمل جمهور الصحابة بخلافه، ثم يدع قول الجمهور، ويذهب إلى فهم ابن عباس!

فإذا وضعنا في الاعتبار كون عروة - في رواية أبي الأسود عنه - إنما يقصد بهذا السياق الرد على هذه الفتيا التي انتشرت في الناس عن ابن عباس، وأنه ينسبها إلى رسول الله ، وإنما هي اجتهاد منه: أن من طاف بالبيت فقد حلَّل، شاء أم أبي! يظهر لنا المراد من هذا السياق، وهو أن عروة قصد إلى إبطال قول ابن عباس، وأن هؤلاء جميعاً كانوا أعلم برسول الله من ابن عباس، في إباحة إفراد الحج، وأن من دخل مكة حاجاً مفرداً؛ فإنه لا يلزمه الفسخ، حيث عمل الخلفاء الراشدون؛ أبو بكر، وعمر، وعثمان، والزبير بن العوام، وعبد الله بن عمر، ومعاوية بن أبي سفيان، والمهاجرون والأنصار، عملوا جميعاً بالإفراد من غير نكير، ولم يفسخوا حجهم إلى عمرة، حيث طافوا بالبيت طواف القدوم، ثم لم يحلوا، وإنما أتموا حجهم، فلم يحلوا منه إلا يوم النحر، وذلك لبيان أن المكلف مخير بين الأنساك الثلاثة، وأن الإفراد لم ينسخ، ولهذا فقد احتج شيخ الإسلام ابن تيمية بهذا الحديث على أن الخلفاء الراشدين بعد النبي قد أفردوا الحج [انظر: شرح العمدة (٣٣٢/ ٤)]، والله أعلم.

فإن قيل: فهل يحتج بحديث أبي الأسود عن عروة على تفضيل الإفراد مطلقاً؟

فيقال: ليس الأمر كذلك، بل قصد عروة بذلك الاحتجاج بفعل الصحابة على من ألزم

<<  <  ج: ص:  >  >>