لكن يبدو لي أن عروة ما أراد هذا المعنى، وأن مثله لا يخفى عليه، وإنما كان وجه إنكار عروة على ابن عباس إنما هو في إيجاب الفسخ على المفرد، وقد بينت ذلك رواية حماد بن سلمة، حيث قال عروة:«تفتي الناس أنهم إذا طافوا بالبيت فقد حلوا، وكان أبو بكر وعمر ﵄ يَجيئان مُلبين بالحج فلا يزالان مُحرمين إلى يوم النحر»، فظهر بذلك وجه الإنكار، والروايات يبين بعضها بعضاً، فقد روى أبو الأسود عن عروة ما يزيل الإشكال:
• فقد روى ابن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن؛ أن رجلاً من أهل العراق قال له: سل لي عروة بن الزبير عن رجل يهل بالحج، فإذا طاف بالبيت أيحلُّ أم لا؟ فإن قال لك: لا يحل، فقل له: إن رجلاً يقول ذلك، قال: فسألته، فقال: لا يحل من أهل بالحج إلا بالحج، قلت: فإن رجلاً كان يقول ذلك، قال: بئس ما قال، فتصدَّاني الرجل فسألني فحدثته، فقال: فقل له: فإن رجلاً كان يخبر أن رسول الله ﷺ قد فعل ذلك، وما شأن أسماء والزبير قد فعلا ذلك؟ قال: فجئته فذكرت له ذلك، فقال: من هذا؟ فقلت: لا أدري، قال: فما باله لا يأتيني بنفسه يسألني؟
أظنه عراقياً، قلت: لا أدري، قال: فإنه قد كذب، قد حج رسول الله ﷺ، فأخبرتني عائشة ﵂: أن أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ، ثم طاف بالبيت، ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره، ثم عمر مثل ذلك، ثم حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم يكن غيره، ثم معاوية وعبد الله بن عمر، ثم حججت مع أبي الزبير بن العوام، فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم يكن غيره، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك، ثم لم يكن غيره، ثم آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر، ثم لم ينقضها بعمرة، وهذا ابن عمر عندهم أفلا يسألونه؟ ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدؤون بشيء حين يضعون أقدامهم أول من الطواف بالبيت، ثم لا يحلون، وقد رأيت أمي وخالتي حين تقدمان لا تبدآن بشيء أول من البيت تطوفان به، ثم لا تحلان.
وقد أخبرتني أمي: أنها أقبلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة قط، فلما مسحوا الركن حلوا. وقد كَذَب فيما ذَكَر من ذلك. لفظ هارون بن سعيد عن ابن وهب [عند مسلم].
ولفظ أحمد بن عيسى عن ابن وهب [عند البخاري (١٦٤١ و ١٦٤٢)]: عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل القرشي؛ أنه سأل عروة بن الزبير، فقال: قد حج النبي ﷺ، فأخبرتني عائشة ﵂ أنه أول شيء بدأ به حين قدم؛ أنه توضأ، ثم طاف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم حج أبو بكر الله ﵁ فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم عمر ﵁ مثل ذلك، ثم حج عثمان ﵁، فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم معاوية وعبد الله بن عمر، ثم حججت مع أبي الزبير بن العوام فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم رأيت المهاجرين