ذلك رأياً، فإنه يقابل بأن ابن عباس وأبا موسى الأشعري قد فهما فهماً يخالف ما فهمه كبار الصحابة، فالمنقول عنهما في إيجاب الفسخ والمتعة هو في حقيقته فهم ورأي، وليس نقلاً عن صاحب الشرع، فإن قيل: إن مناظرة عروة بن الزبير مع ابن عباس تبين أن ابن عباس اعتمد النقل:
• فقد روى حماد بن زيد، ووهيب بن خالد، وحماد بن سلمة:
حدثنا أيوب السختياني، عن ابن أبي مليكة قال: قال عروة لابن عباس: حتى متى تُضِلُّ الناس يا ابن عباس؟! قال: ما ذاك يا عُريَّة؟! قال: تأمرنا بالعمرة في أشهر الحج، وقد نهى عنها أبو بكر وعمر؟! فقال ابن عباس: قد فعلها رسول الله ﷺ، فقال عروة: هما كانا أتبع لرسول الله ﷺ وأعلم به منك. لفظ وهيب [عند أحمد].
ولفظ حماد بن زيد [عند الخطيب]: عن ابن أبي مليكة؛ أن عروة بن الزبير قال لابن عباس: أضللت الناس! قال: وما ذاك يا عُريَّة؟! قال: تأمر بالعمرة في هؤلاء العشر وليست فيهنَّ عمرة؟! فقال: أولا تسأل أمك عن ذلك؟! فقال عروة: فإن أبا بكر وعمر لم يفعلا ذلك، فقال ابن عباس: هذا الذي أهلككم والله، ما أرى [الله ﷿] إلا سيُعذِّبكم، إني أحدثكم عن النبي ﷺ، وتجيئوني بأبي بكر وعمر، فقال: عروة: هما والله! كانا أعلم بسنة رسول الله ﷺ، وأتبع لها منك.
ولفظ حماد بن سلمة [عند الطحاوي]: عن ابن أبي مليكة، أن عروة قال لابن عباس: أضللت الناس يا ابن عباس، قال: وما ذاك يا عُريَّة؟ قال: تفتي الناس أنهم إذا طافوا بالبيت فقد حلّوا، وكان أبو بكر وعمر ﵄ لا يجيئان ملبين بالحج فلا يزالان محرمين إلى يوم النحر، قال ابن عباس: بهذا ضللتم؟ أحدثكم عن رسول الله ﷺ وتحدثوني عن أبي بكر وعمر ﵄؟ فقال عروة: إن أبا بكر وعمر ﵄ كانا أعلم برسول الله ﷺ منك.
أخرجه أحمد (٢٥٢/ ١)(٥٦١/ ٢ - ٢٣١٣ - ط المكنز)، وهو حديث صحيح [تقدم تخريجه في الجزء الخامس والعشرين، تحت الحديث رقم (١٧٩٢)].
قلت: أما ما ذهب إليه عروة من الاحتجاج بفعل أبي بكر وعمر على عدم جواز العمرة في أشهر الحج، فهو مخالف للأحاديث الصحيحة المتواترة في كون النبي ﷺ وصحابته قد اعتمروا في حجة الوداع، أما النبي ﷺ وأبو بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير وذوو اليسار من الصحابة فكانوا قارنين، وأما من لم يسق الهدي فإنهم طافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة لعمرتهم، ثم حلوا، ثم أهلوا بالحج يوم التروية، وطافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة لحجهم بعدما رجعوا من منى، ومثل هذا لا يخفى على عروة.
وأما كون أبي بكر وعمر وعثمان والزبير وأبي ذر وابن عمر ومعاوية والمهاجرين والأنصار كانوا يفردون الحج، ولا يتمتعون: فهو صحيح أيضاً، وكان بعضهم يتمتع، ولا ينكر المتعة، كما تقدم بيانه في موضعه.