قد تقدم أحدهما: أن سبب الفسخ كان لأنهم ما كانوا يعتقدون جواز العمرة في أشهر الحج، وهذا المعنى معدوم في وقتنا.
والثاني: قول النبي ﷺ: «هذا لكم خاصة». وقد تقدم الجواب عن ذلك بما فيه كفاية، فلا وجه لإعادته.
وقد اعترض بعضهم على ذلك باعتراض آخر، قال: لا أسلم أن القوم أحرموا بالحج، قال: لأن الشافعي روى: أن النبي ﷺ وأصحابه أحرموا مطلقا ينتظرون القضاء، فلما نزل عليهم القضاء، قال:«اجعلوها عمرة». ومن لم يعين الإحرام بالحج جاز له صرفه إلى عمرة.
ويبين هذا ما قاله أحمد في رواية صالح: قد روي عن النبي ﷺ: أنه قرن، وروي: أنه أفرد، وروي عنه: أنه خرج من المدينة ينتظر القضاء؛ لا يذكر حجا ولا عمرة.
ويقال له: يا هذا! لو تأملت ما رويناه من الأخبار لم تورد هذا الاعتراض؛ لأن في رواية جابر: أن رسول الله ﷺ أهل وأصحابه بالحج. وفي رواية أنس: خرجنا نصرخ بالحج. وفي رواية عائشة: خرجنا مع رسول الله ﷺ لا نرى إلا الحج. وفي رواية ابن عباس: قدمنا حجاجا. وهذه نصوص، وفيها زيادة بيان وحكم، فوجب الرجوع إليها.
وقد قيل في الجواب عنه: إنه مرسل؛ لأنه يرويه ابن طاووس، عن أبيه، عن النبي ﷺ، والمرسل عندهم ليس بحجة.
ولأن جابرا أحسن سياقا للحديث من غيره؛ لأنه نقل أفعال النبي ﷺ في سفره على الوجوه، فكان حديثه مقدما، … »، ثم أطال النفس في الرد على المخالف.
• وقال ابن حزم في حجة الوداع (٣٦٣): «هذا كله لا حجة لهم فيه، بل بعضه حجة عليهم، أما حديث عمر: فإنما فيه ذكر المتعة، ولا يخلو من أن يكون أراد متعة النساء، فلذلك يقول: إنها أحلت ثم حرمت، أو أراد متعة الحج، فلا يجوز ذلك؛ لأنه ﵁ قد صح عنه الرجوع إلى القول بها، ومحال أن يرجع إلى القول بما صح عنده أنه منسوخ، وأيضا فإن خصومنا مخالفون لهذا الحديث؛ لأن المتعة في الحج عندهم جائزة غير مكروهة، وإنما نحن معهم في فسخ الحج لا في التمتع، وأما حديث عثمان، وأبي ذر: فإن القول بأن ذلك خاصة لهم لا لمن بعدهم، إنما هو موقوف عليهما، ولا حجة في أحد بعد رسول الله ﷺ، وأما الأمر بالفسخ في حديث أبي ذر [كذا قال]، فهو مسند إلى النبي ﷺ، وهذا هو اللازم للناس لا قول من بعده، فحديث أبي ذر حجة عليهم، وإذا اختلف الصحابة ﵃ في أمر صح عن النبي ﷺ، فقال قائل منهم: هو باق إلى الأبد، وقال الآخر: هو منسوخ، فالقول هو قول من ادعى بقاء الأمر، وعلى من ادعى النسخ أن يأتي بالبرهان على قوله، وإذا قال أبو ذر، وعثمان: إن الفسخ منسوخ كما ذكرنا، وقال ابن عباس وأبو موسى: إنه باق غير منسوخ»، ثم أسند حديث ابن عباس من طرق بعضها صحيح، ثم جاء إلى رواية غريبة، وقال: «هذا نفس قولنا بعينه، ولا مزيد