العرب تقول: جئتك رجبًا ويوم الجمعة، وإنما جئت في بعضه، فذو الحجة شهر الحج؛ لأن الحج فيه، … »، ثم أسند حديث ابن عباس، من طريق: وهيب بن خالد، قال: حدثنا عبد الله بن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر فجور في الأرض، ويجعلون المحرم صفرًا، ويقولون: إذا برأ الدبر، وعفا الوبر، وانسلخ صفر، أو قال: دخل صفر، حلت العمرة لمن اعتمر، فقدم رسول الله ﷺ وأصحابه ﵃ صبيحة رابعة مهلين بالحج، فأمرهم رسول الله ﷺ أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله! أي الحل الحل نحل؟ قال:«الحل كله» [أخرجه البخاري (١٥٦٤ و ٣٨٣٢)، ومسلم (١٩٨/ ١٢٤٠)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (١٧٩٢)]، ثم قال: فهذان قولان والقول الثالث: إن ابن عباس كان يرى الفسخ جائزاً، ويقول:«من حج فطاف بالبيت فقد حل»، لا اختلاف في ذلك عنه، قال ابن أبي مليكة: قال له عروة يا ابن عباس، أضللت الناس، قال له: بم ذاك يا عرية؟ قال: تفتي الناس بأنهم إذا طافوا بالبيت حلوا، وقد حج أبو بكر وعمر فلم يحلا إلى يوم النحر، فقال له ابن عباس: قال الله جل وعز ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣]، أأقول لك: قال الله جل وعز، ثم تقول لي: قال أبو بكر وعمر، وقد أمر رسول الله ﷺ بالفسخ؟ " [أخرجه أحمد (١/ ٢٥٢) وغيره بنحوه، وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (١٧٩٢)]، قال أبو جعفر:«وهذا القول انفرد به ابن عباس، كما انفرد بأشياء غيره، فأما قوله جل وعز ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣] فليس فيه حجة؛ لأن الضمير للبدن، وليس للناس، ومحل الناس يوم النحر على قول الجماعة، ولهذا سمي يوم الحج الأكبر، وذلك صحيح عن النبي ﷺ، وعن علي بن أبي طالب ﵁، وعن ابن عباس، وإن كان قد روي عن ابن عباس أنه يوم عرفات، فهذه ثلاثة أقوال في فسخ الحج. والقول الرابع: أصحها، للتوقيف من رسول الله ﷺ، وهو أنه مخصوص»، ثم أسند حديث بلال بن الحارث، قال: قلنا: يا رسول الله! أفسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ قال:«بل لنا خاصة»[وهو حديث منكر، كما تقدم بيانه]، ثم قال: وقال أبو ذر: «كان فسخ الحج لنا رخصة، فإن احتج محتج بقول النبي ﷺ في غير هذا الحديث: «ذلك لأبد الأبد»، فلا حجة له فيه؛ لأنه يعني بذلك جواز العمرة في أشهر الحج، فأما حديث عمر أنه قال في المتعة: إن أتيت بمن فعلها عاقبته، وكذا المتعة الأخرى، فإحداهما: المتعة المحرمة بالنساء التي هي بمنزلة الزنا، والأخرى: فسخ الحج، فلا ينبغي لأحد أن يتأول عليه أنها المتعة في أشهر الحج؛ لأن الله جل وعز قد أباحها بقوله جل وعز ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦]».
قلت: وخلاصة كلام أبي جعفر النحاس: أن الفسخ فيه أربعة أقوال: الأول: أنه منسوخ والثاني: إن فسخ الحج إنما كان لعلة، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور؛ فأراد النبي ﷺ نقض ذلك. والثالث: إلزام ابن عباس