للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بذلك أن الناس جميعاً بعد فسخهم حجهم مع رسول الله ممنوعون من الخروج من الحج إلا بإتمامه، إلا أن يُصَدُّوا عن البيت، فيكون لهم ما قد جعله الله ﷿ لمن أحصر بالحج».

وقد سبق أن بينت أن الطحاوي ممن يتوسع في إطلاق حكم الرفع على موقوفات الصحابة، بدعوى أن مثله لا يكون رأياً، وذلك لنصرة مذهبه، ولا ينبغي التسرع في ذلك، لأن كثيراً من الصحابة يقع منهم الاجتهاد في مثل هذه الأمور التعبدية، لعدم وجود نص عندهم يعتمدون عليه، فيقيسون على نص آخر ولا يذكرونه، ونحن هنا عندنا ثلاثة أحاديث موقوفان ومرفوع: أما الموقوفان: فعن أبي ذر، وعن عبد الله بن هلال، وأما المرفوع: فعن بلال بن الحارث المزني، ولا يصح منها سوى قول أبي ذر، والآخران: منكران، لا يثبتان، فبقي قول أبي ذر أنه قاله اجتهاداً منه في كون متعة الحج كانت خاصة بأصحاب محمد ، وقد أولنا ذلك على أنه كان إلزاماً لهم، وإيجاباً عليهم، وهذا وجه الاختصاص فيه، ولم يكن كذلك لمن بعدهم، بل كان لبقية الأمة على التخيير، وذلك لكي تأتلف النصوص، ولا تتعارض، لاسيما مع النص الصريح في إباحة الفسخ لمن بعد الصحابة، كما في حديث جابر وابن عباس في قصة سراقة، وقد سبق إيراده مراراً، والله أعلم.

وقال أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ (١٢٦): «وقد صح عن رسول الله أنه أمر أصحابه بعد أن أحرموا بالحج ففسخوه وجعلوه عمرة، واختلف العلماء في فسخ أصحاب رسول الله الحج بعد أن أهلوا به إلى العمرة، فقالوا فيه أربعة أقوال، فمنهم من قال: إنه منسوخ، كما روي عن عمر أنه قال في ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]: «إتمامهما أن لا يفسخا»، وقد قيل في إتمامهما غير هذا، … »، ثم ساق بإسناده إلى عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة [لم يرو عنه غير عمرو بن مرة، ولا يتابع على بعض حديثه، تعرف منه وتنكر. التهذيب (٢/ ٣٤٧). الميزان (٢/ ٤٣٠). راجع ترجمته في فضل الرحيم الودود (٣/ ١٣١/ ٢٢٩) و (١٧/ ٢٠٥/ ١٤٢١) عن علي بن أبي طالب في قول الله جل وعز: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]، قال: «أن تحرم من دويرة أهلك»، ثم ذكر بعض أقوال التابعين وغيرهم في معناه، ثم قال: وذهب أبو عبيد إلى أن فسخ الحج إلى العمرة منسوخ بما فعله الخلفاء الراشدون المهديون: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي ؛ لأنهم لم يفسخوا حجهم، ولم يحلوا إلى يوم النحر، فهذا قول في فسخ الحج: إنه منسوخ. والقول الثاني: إن فسخ الحج إنما كان لعلة، وذلك أنهم كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج، ويرون أن ذلك عظيم، فأمرهم رسول الله بفسخ الحج وتحويله إلى العمرة، ليعلموا أن العمرة في أشهر الحج جائزة، والدليل على أنهم كانوا يتجنبون العمرة في أشهر الحج، وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة، في قول ابن عمر، وفي قول ابن عباس: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، والقولان صحيحان؛ لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>