جليا أن فسخ الحج لمن لا هدي معه في عمرة باق إلى يوم القيامة، فبطل بذلك دعوى الخصوص والفسخ والتأويلات جملة.
ولو صح حديث بلال بن الحارث، وقول أبي ذر ﵁، وعثمان، لما كان في شيء من ذلك حجة علينا، بل كان يكون موافقا لنا؛ لأن معنى: إن فسخ الحج للصحابة ﵁ خاص، كان يكون معناه لو صح عما ذكرنا هذا القول: أنه ليس لأحد بعد الصحابة أن يبتدئ حجا مفردا يحتاج إلى فسخه في عمرة، لكن يفعل ما أمره النبي ﷺ به، وهو أن يهل بالعمرة فقط، إذ لم يسق هديا، ثم إذا حل أهل بالحج، أو يهل بالقران إن ساق هديا، وأن أصحاب رسول الله ﷺ كانوا بخلاف ذلك، وأنه جاز لهم أن يبدؤوا بحج مفرد، ثم فسخوه، فأجزأهم.
فلو صح ذلك اللفظ، لكان حجة لنا، لا لهم، فكيف؟ وهو لا يصح، فلما لم يصح كان من أهل بحج مفردا جاهلا أو متأولا يلزمه أن يفسخه، ويجزئه عن عمرته الواجبة، كما فعل أصحاب رسول الله ﷺ، وفيهم أعظم الأسوة، وبالله تعالى التوفيق، وكما ﵇ أخبر أن ذلك الفعل باق لأبد أبد».
قلت: سبق أن بينت سابقا معنى حديث أبي ذر، وكيف الجمع بينه وبين النصوص القاضية بدخول العمرة في الحج إلى يوم القيامة، وأن الفسخ الذي أمروا به باق لأبد الأبد، وذلك بحمل حديث أبي ذر على اختصاص الصحابة بإيجاب الفسخ، دون من بعدهم، فمن أهل بحج مفرد أو بقران ولم يكن ساق هديا؛ فله أن يفسخ الحج إلى عمرة إن شاء ذلك، لكن لا يلزمه الفسخ؛ فإن شاء أن يمضي في حجه المفرد، أو في قرانه، فله ذلك، وإن شاء أن يفسخ فله ذلك، وبه قال أحمد، وسبق نقل كلامه قريبا، ويكون معنى حديث جابر وابن عباس في قصة سراقة، حين سأل عن الفسخ، وعن عمرتهم هذه: ألعامنا هذا أم للأبد؟ فكان الجواب: بل للأبد يعني: أن هذا الفسخ باق للأبد، فمن أراد الفسخ فله ذلك، ومن أراد أن يتمتع أو يقرن فله ذلك، وأن دخول العمرة في الحج دخول أبدي من وقت هذه الحجة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكذلك في حديث ابن عباس: أن دخول العمرة في الحج إلى يوم القيامة، يعني: دخول جواز وإباحة، بعد أن كان عند أهل الجاهلية من أفجر الفجور، ويؤكد هذا المعنى: حديث أبي ذر باختصاص الصحابة بهذا الإلزام، وبفعل أبي بكر وعمر وعثمان، حين رأوا مشروعية الإفراد، وكان ذلك ردا على من ألزم الناس بالفسخ، وأن كل من طاف بالبيت فقد حل شاء أم أبي، مثل ابن عباس وأبي موسى، فكان الخلفاء الراشدون الثلاثة يرون مشروعية الإفراد، حتى يعلم الناس خطأ هذا القول، ولا شك أن مثل هذا لا يخفى على كبار الصحابة، من مراد النبي ﷺ حين أمر من لم يسق الهدي بالفسخ، وسيأتي لذلك مزيد بيان وتفصيل.
وقال القاضي أبو يعلى الفراء في التعليقة الكبيرة (١/ ٢٢١): «وروى أبو حفص العكبري، بإسناده عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: قدمنا مع رسول الله ﷺ ومعنا الزبير،