للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

في متعة الحج: إنها كانت لهم ليست لغيرهم [تقدم بيان أنه لا يثبت عن عثمان، إنما هو من قول أبي ذر]، فحكمه حكم قول أبي ذر سواء، على أن المروي عن أبي ذر وعثمان يحتمل ثلاثة أمور:

أحدها: اختصاص جواز ذلك بالصحابة، وهو الذي فهمه من حرم الفسخ.

الثاني: اختصاص وجوبه بالصحابة، وهو الذي كان يراه شيخنا قدس الله روحه، يقول: إنهم كانوا فرضاً عليهم الفسخ؛ لأمر رسول الله لهم به، وحتمه عليهم، وغضبه عندما توقفوا في المبادرة إلى امتثاله، وأما الجواز والاستحباب فللأمة إلى يوم القيامة، لكن أبى ذلك البحر ابن عباس، وجعل الوجوب للأمة إلى يوم القيامة، وأن فرضاً على كل مفرد وقارن لم يسق الهدي أن يحل ولا بد، بل قد حل وإن لم يشأ. وأنا إلى قوله أميل مني إلى قول شيخنا.

الاحتمال الثالث: أنه ليس لأحد بعد الصحابة أن يبتدئ حجاً مفرداً أو قارناً بلا هدي، يحتاج معه إلى الفسخ، لكن فرض عليه أن يفعل ما أمر به النبي أصحابه في آخر الأمر من التمتع لمن لم يسق الهدي، والقرآن لمن ساق، كما صح عنه ذلك. وأما أن يحرم بحج مفرد، ثم يفسخه عند الطواف إلى عمرة مفردة، ويجعله متعة فليس له ذلك، بل هذا إنما كان للصحابة، فإنهم ابتدؤوا الإحرام بالحج المفرد قبل أمر النبي بالتمتع والفسخ إليه، فلما استقر أمره بالتمتع والفسخ إليه لم يكن لأحد أن يخالفه ويفرد ثم يفسخه.

وإذا تأملت هذين الاحتمالين الأخيرين رأيتهما إما راجحين على الاحتمال الأول، أو مساويين له، فسقط معارضة الأحاديث الثابتة الصريحة به جملة، وبالله التوفيق».

قلت: الاحتمال الثاني هو الأقرب للصواب، وهو الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، فالذي اختص به الصحابة في حجة الوداع: إلزامهم بالفسخ وفرضه عليهم لمن لم يسق الهدي، وبقي الجواز لمن بعدهم إلى يوم القيامة؛ كما ثبت في قصة سراقة:

فقد روى ابن جريج: أخبرني عطاء بن أبي رباح، قال: سمعت جابر بن عبد الله في ناس معي، قال: أهللنا أصحاب محمد بالحج خالصاً وحده، … ، فساق الحديث بطوله، وفيه: فقال سراقة بن مالك بن جعشم يا رسول الله! ألعامنا هذا أم لأبد؟ فقال: «لأبد». لفظه عند مسلم.

وفي رواية [عند أحمد، والنسائي]: وقال سراقة بن مالك بن جعشم: يا رسول الله! أرأيت عمرتنا هذه، لعامنا هذا أو للأبد؟ قال: «هي للأبد».

وفي رواية [عند البخاري (٢٥٠٥ و ٢٥٠٦)]: فقام سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: يا رسول الله! هي لنا أو للأبد؟ فقال: «لا، بل للأبد».

وفي رواية عبد الرزاق: فقال سراقة بن مالك بن جعشم متعتنا هذه يا رسول الله! ألعامنا هذا أو لأبد؟ قال: «بل لأبد».

<<  <  ج: ص:  >  >>