والنسائي وابن ماجه، وعن أحمد: حديث أبي ذر في أن فسخ الحج في العمرة خاصة للصحابة: صحيح».
قلت: أما المرقع بن صيفي: فقد روى عنه جمع من الثقات، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال يحيى بن سعيد الأنصاري:«وكان رجلا مرضيا»، وقال أحمد:«لم يلق أبا ذر»، وضعف أحمد حديثه هذا عن أبي ذر [اختلاف الفقهاء (٣٩٦). التهذيب (١٢/ ٦٥٠ - ط دار البر)]، وقد أتي في روايته هذه عن أبي ذر بما ينكر، حيث قال:«لا والذي لا إله غيره، ما كان لأحد أن يهل بحجة، ثم يفسخها بعمرة؛ إلا الركب الذين كانوا مع رسول الله»، وهذا يصعب تأويله، حيث منع من الفسخ مطلقا لمن بعد الركب الذين كانوا مع رسول الله، بخلاف ما رواه جماعة الثقات، كالأعمش وغيره: عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر ﵁، قال:«كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد ﷺ خاصة». وهذا يمكن تأويله، وحمله على أن إيجاب الفسخ كان على من لم يسق الهدي من أصحاب النبي ﷺ، فمن فعل ذلك بعد اقتداء بهم جاز له ذلك، من غير إيجاب ولا إلزام، ولا نقول في ذلك بقول ابن عباس:«من طاف بالبيت فقد حل»، والصواب بين الطرفين: لا نوجب الفسخ، ولا نحرمه؛ بل هو جائز، من شاء فعل، ومن شاء لم يفعل، وأما وجوب الفسخ فقد كان خاصا بأصحاب النبي ﷺ في حجة الوداع، وعليه يحمل قول أبي ذر، وبهذا تأتلف الأحاديث الصحاح.
قال أحمد:«من أهل الحج مفردا أو قرن الحج مع العمرة؛ فإن شاء أن يجعلها عمرة فعل، ويفسخ إحرامه في عمرة، إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل» [التمهيد (٢٣/ ٣٥٨)]
وقال أحمد في فسخ الحج:«إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل» [اختلاف الفقهاء (٣٩٦)]
وقد نقل ابن القيم في زاد المعاد (٢/ ٢٣٧ - ط عطاآت العلم)، عن شيخ الإسلام ابن تيمية اختصاص وجوبه بالصحابة، فقال:«وهو الذي كان يراه شيخنا قدس الله روحه، يقول: إنهم كانوا فرضا عليهم الفسخ؛ لأمر رسول الله ﷺ لهم به، وحتمه عليهم، وغضبه عندما توقفوا في المبادرة إلى امتثاله، وأما الجواز والاستحباب: فللأمة إلى يوم القيامة، لكن أبى ذلك البحر ابن عباس، وجعل الوجوب للأمة إلى يوم القيامة، وأن فرضا على كل مفرد وقارن لم يسق الهدي أن يحل ولا بد، بل قد حل وإن لم يشأ».
والحاصل: فإن الصواب من حديث أبي ذر: ما رواه جماعة الثقات الحفاظ، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر له، قال:«كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد ﷺ خاصة».
وأما حديث المرقع الأسدي عن أبي ذر: فهو حديث منكر، والله أعلم.