يعني: أنه يحتج بحديثهم سواء صرحوا فيه بالسماع أم لا؛ حتى يثبت أنهم دلسوا في حديث بعينه، فعندئذ يُرَدُّ هذا الحديث الذي دلسوه عن ضعيف أو مجهول.
إلى أن قلت: وهذه المسألة وهي قبول حديث المدلس إذا لم يذكر سماعاً في حديث بعينه، ولم يتبين لنا أنه دلسه: مسألة خلافية، … ، ثم جاء من المتأخرين من يجعل المسألة من مسائل الاتفاق، … ، إلى أن قلت: والحاصل فإن مذهب أكثر الأئمة النقاد في تطبيقاتهم العملية في إعلال الأحاديث وردّها: أنهم لم يكونوا يردون حديثاً لمجرد عنعنة المدلس، وعدم تصريحه بالسماع، … إلى آخر كلامي، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
هـ لكن الكلام في حديث ابن إسحاق هذا ليس من قبل السماع وعدمه، ولكن من جهة مقارنة روايته برواية الثقات.
والذي يترجح عندي - والله أعلم - أن رواية عبد الأعلى عن ابن إسحاق: أشبه بالصواب، حيث اتفق اثنان من أصحاب ابن إسحاق المكثرين عنه، وأحدهما مختص بمغازيه، وهذا الحديث داخل في معنى المغازي؛ لأنه من أسفار النبي ﷺ التعبدية، وهو في حجة الوداع، حيث رواه: سلمة بن الفضل، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن يزيد بن شريك، قال: دخلنا على أبي ذر، فقلنا: كيف تمتع رسول الله ﷺ وأنتم معه؟ قال: وما أنتم وذاك، إنما ذلك شيء خُصَّ لنا. يعني: المتعة.
ورواه: عبد الأعلى بن عبد الأعلى؛ سمع ابن إسحاق؛ سمع عبد الرحمن بن الأسود، عن عبد الرحمن بن سُلَيْم، عن يزيد التيمي؛ سمع أبا ذر ﵁ بالربذة، يقول: رخص لنا في خوفنا في العمرة.
فاتفقا على كون الحديث من رواية يزيد بن شريك عن أبي ذر، وهذا ما قد ثبت برواية جمع من الثقات الحفاظ، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، كما أشرت سابقاً، غير أن عبد الأعلى زاد رجلاً في الإسناد، وروايته عندي محفوظة من وجهين: أن البخاري اعتمدها في تاريخه، والثاني: رواية مالك بن مغول الآتية، نعم؛ أُثبتت الواسطة لكن مع المغايرة، فهو نوع اتفاق على إثبات الواسطة.
• فقد رواه محمد بن الحسن بن عمران الواسطي [ثقة]، عن مالك بن مغول [كوفي، ثقة ثبت]، عن عبد الرحمن بن الأسود [عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي: ثقة، من الثالثة]، عن إبراهيم التيمي [إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي: ثقة، من الخامسة]، عن أبيه [يزيد بن شريك بن طارق التيمي: من الثانية، يقال: إنه أدرك الجاهلية]، عن أبي ذر، قال: إنما كانت متعة الحج لنا رخصة أصحاب رسول الله ﷺ خاصة.
أخرجه أبو الفتح المقدسي في تحريم نكاح المتعة (٨٥)، بإسناد صحيح إلى محمد بن الحسن الواسطي به.
وهذا حديث صحيح غريب، ويؤيد صحته: رواية جماعة الثقات الحفاظ، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، كما أشرت سابقاً.