أن في رواية عبد الرحمن بن أذينة المذكور عن علي: أنه لا يجوز لمن بدأ بالإهلال بالحج أن يردف عليه عمرة، فجعل أبو حنيفة ما روى ابن أذينة عن علي من: أن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين؛ حجة خالف لها السنن الثابتة وإجماع الصحابة، ولم يجعل ما رواه ابن أذينة عن علي؛ من أنه لا يجوز لمن بدأ بالإهلال بالحج أن يضيف إليه عمرة: حجة، فما هذا التلاعب؟ ولئن كانت رواية ابن أذينة عن علي في أحد الوجهين حجة: إنها لحجة في الوجه الآخر، ولئن لم تكن حجة في أحد الوجهين فما هي حجة في الآخر.
ثم اعترضوا في الآثار الواردة عن ابن عمر بما روي عنه من أن النبي ﷺ كان متمتعا، ولو أن الذي احتج بهذا يستحيي ممن حضر من الناس قبل أن يبلغ إلى الحياء من الملائكة، ثم من الذي إليه معاده ﷿ لردعه عن هذه المجاهرة القبيحة.
وهذا الخبر قد ذكرناه، وفيه: تمتع رسول الله ﷺ بدأ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج، فوصف عمل القران، وسماه: تمتعا.
والعجب أن هذا المجاهر بهذه العظيمة يناظر الدهر في إثبات أن النبي ﷺ كان قارنا، ثم أضرب عن ذلك الآن، وجعل يوهم: أنه كان متمتعا، وهذا من الغاية في السماجة والصفة المذمومة، واعترض في الآثار المذكورة عن عائشة أم المؤمنين بما روي في ذلك الخبر من قول النبي ﷺ: ارفضي العمرة، ودعي العمرة، واتركي العمرة، وامتشطي، وانقضي رأسك، وأهلي بالحج، وأوهم هذا المكابر بهذه الألفاظ: أنها أحلت من العمرة؛ وهذا باطل؛ لأن معنى: ارفضي العمرة، ودعي العمرة، واتركي العمرة، وأهلي بالحج؛ أن تدع الطواف الذي هو عمل العمرة وتتركه، وترفض عمل العمرة من أجل حيضتها، وتدخل حجا على عمرتها، فتكون قارنة، فإذا طهرت طافت بالبيت حينئذ للعمرة وللحج.
وأما نقض الرأس والامتشاط فلا نكرة في ذلك في الإحرام؛ بل هو مباح مطلق.
برهان ذلك: قول رسول الله ﷺ لها حينئذ: «طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك».
وكيف يمكن أن يكفيها طوافها وسعيها لعمرة قد أحلت منها؟ لولا الهوى المعمي المصم المقحم في بحار الضلالة بالمجاهرة بالباطل.
فصح يقينا أنه إنما كفاها طوافها وسعيها لحجها وعمرتها اللذين كانت قارنة بينهما؛ هذا ما لا يحيل على من له أدنى فهم، ولم يجد ما يموه به في حديث جابر، ولا في حديث عروة عن عائشة: أن الذين جمعوا بين العمرة والحج من الصحابة طافوا لهما طوافا واحدا.
فرجع إلى أن قال: إن عليا كان مع رسول الله ﷺ في حجه وأشركه في هديه، فلم يقل ما قال إلا عن علم؟ فيقال لمن قال هذا القول: إنك تنسب إلى علي الباطل، وقولا لم يثبت عنه قط، ثم لو ثبت عنه فأم المؤمنين كانت في تلك الحجة أبطن بالنبي ﷺ وأعلم