وقد أحسن أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (١/ ٣٥٥) في بيان هذا المعنى، حيث قال:«وقد روي عن عثمان أنه لم يكن ذلك منه على وجه النهي، ولكن على وجه الاختيار، وذلك لمعان: أحدها: الفضيلة؛ ليكون الحج في أشهره المعلومة له، ويكون العمرة في غيرها من الشهور، والثاني: أنه أحب عمارة البيت، وأن يكثر زواره في غيرها من الشهور، والثالث: أنه رأى إدخال الرفق على أهل الحرم بدخول الناس إليهم، فقد جاءت بهذه الوجوه أخبار مفسرة عنه».
وقال المهلب بن أبي صفرة في المختصر النصيح (٢/ ١٣٩): «فعل رسول الله ﷺ: أمرا أمرهم به، وسنه قولا، والله أعلم»، يعني: أمرهم بفسخ الحج إلى عمرة.
وقال ابن حزم في حجة الوداع (ص ٣٥٩): «فهذا إقرار من عثمان بأن ذلك من رأيه، ولا حجة في ذلك، وخصومنا يخالفون عمر وعثمان في ذلك، ويبيحون المتعة والقران، ويرونهما فعل خير»، قال أبو محمد ﵀:«لم نورد شيئا من هذا احتجاجا به في إيجاب المتعة، فلا حجة عندنا في شيء بعد كتاب الله ﷿ وكلام نبيه محمد ﷺ وحكمه، وإنما أوردناه حجة على من تعلق في ذلك بشيء رآه عمر ﵁ من رأيه، ثم رجع عنه، أو لم يرجع، وهم يخالفونه في ذلك إذا اشتهوا، وبالله تعالى التوفيق. وإذا تنازع الأئمة فأقوالهم معروضة على القرآن وعلى سنة رسول الله ﷺ، فلاي تلك الأقوال شهد النص أخذ به، والنصوص تشهد لمن قال بإيجاب التمتع على من لم يسق الهدي ممن أراد الحج، وبالله تعالى التوفيق».
قلت: سيأتي الرد على هذا الكلام في الباب الآتي إن شاء الله تعالى، والخلاصة: أن إيجاب الفسخ إنما كان على من لم يسق الهدي ممن كان مع النبي ﷺ في حجة الوداع، دون من أتى بعدهم، لتبقى بعد ذلك مشروعية الأنساك الثلاثة، التمتع والقران والإفراد، وفعل الخلفاء الراشدين يدل على إباحة الإفراد لمن لم يسق الهدي، ولهذا المعنى شدد عمر وعثمان في مسألة الإفراد، حتى لا يغتر الناس بقول ابن عباس، وبقول أبي موسى الأشعري، في أن كل من طاف بالبيت فقد حل لزاما شاء أم أبى، وأما الأحاديث الواردة في بيان دخول العمرة في الحج إلى الأبد؛ فإنما هو دخول جواز وإباحة، لا دخول إلزام على ما سيأتي بيانه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
وقال ابن حزم في الإعراب عن الحيرة (٢/ ٦٦٣): «وتعلقوا بروايتين لا خير فيهما: إحداهما عن أبي نصر، والأخرى عن عبد الرحمن بن أذينة - ولا يدري أحد من هما في الناس -[عن] علي: القارن يطوف طوافين، ويسعى سعيين، وهذا خلاف السنة الثابتة عن رسول الله ﷺ، وقالوا: مثل هذا لا يقال بالرأي، وكذبوا؛ بل هذا حقا يقال بالرأي، لأنهما عملان متغايران، فلولا السنن الواردة عن رسول الله ﷺ: بأن طوافا واحدا يجزئ، وأن العمرة دخلت في الحج؛ لما أجزأ إلا طوافان وسعيان».
وقال ابن حزم في المحلى (٥/ ١٨٦)(٨/ ٢٣٨ - تحقيق بشار): «ثم أعجب شيء: