للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

لقول أحد، ومنهم: أبو طلحة، وعمران بن حصين، وأنس بن مالك، وقد ذكرنا أحاديثهم، مع أن رواية من روى الحج خاصة لا ترد رواية الآخرين، ولكن هؤلاء حفظوا ما حفظ أولئك وزادوا عليهم شيئاً لم يحفظوه، وهذا مثل من روى عن النبي أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع، ولم يحفظ الآخرون إلا في التكبيرة الأولى، فليست واحدة من الروايتين برادة للأخرى؛ إلا أن الذين حفظوا الزيادة أولى بالاتباع. إنما هذا كرجلين شهدا على رجل أنه أقر لصاحبه بألف درهم، وشهد آخران أنه أقر له في ذلك المجلس بألف ومائة، وكلا الفريقين في العدالة سواء، أفلست ترى أن شهادة الذين زادوا أوجب من أجل أن الأولى لم تكذبهم، ولكن هؤلاء زادوا ما لم يحفظ أولئك، فكذلك رواية أصحاب النبي في رفع اليدين وفى تلبيته بالعمرة مع الحج، إنما الثبت عندنا من حفظ الزيادة، فوجدنا متعة الحج في كتاب الله ﷿، ووجدنا قران الحج والعمرة في سنة رسول الله ، ويلزم من أنكر القران أن يبطله ألبتة؛ لأن الله إنما أنزل في كتابه المتعة، ولا نعلم للقران أصلاً إلا سنة النبي ، وإنما القرآن والمتعة هما تخفيف من الله ﷿ ورخصة؛ إذ رضي من عباده فيهما بسفر واحد».

وقال الطحاوي في شرح المعاني (٢/ ١٤٩): «فهذا علي قد أخبر عن رسول الله بخلاف النهي عن قران العمرة والحج، وفعل في ذلك خلاف ما أمر به عثمان ، وأنكر على عثمان ما أمر به من ذلك، فدل هذا من علي أنه قد كان عنده تفضيل القرآن على الإفراد عن النبي ، ولولا ذلك لما أنكر على عثمان ما رأى، ولا فضل رأيه على رأي عثمان في ذلك، إذ كانا كلاهما إنما أمرا بما أمرا به من ذلك عن شيء واحد، وهو الرأي، ولكن خلافه لعثمان في ذلك دليل عندنا على أنه قد علم فضل القرآن على ما سواه من رسول الله ». [وانظر أيضاً: شرح المعاني (٢/ ٢٠٥/ ٣٩٤٠)، وشرح المشكل (٩/ ٤٧٨)، وأحكام القرآن (٢/ ٦٧)].

قلت: قد دل مجموع روايات هذه الواقعة على أن عثمان رأى ذلك رأياً، ولم يرد به المنع من سنة رسول الله ، كيف وقد أقر بها عثمان نفسه، وإنما أراد عثمان أن يزار البيت مرتين، مثل ما وقع لعمر بن الخطاب، ألا ترى إلى قول عثمان: «فلو أخرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل»، وأما علي بن أبي طالب فخاف أن يفهم الناس من نهي عثمان المنع من إباحة القرآن، ولهذا قال له: «ما تريد إلى أمر فعله رسول الله تنهى عنه؟»، وقال أيضاً: «أعمدت إلى سنة سنها رسول الله ، ورخصة رخص الله تعالى بها للعباد في كتابه تضيق عليهم فيها، وتنهى عنها، وقد كانت لذي الحاجة ولنائي الدار»، فبين علي أن المتعة والقرآن إنما هي رخصة رخص الله بها لعباده في إسقاط أحد السفرين، ولهذا عمد إلى يقرن اقتداء بالنبي ، لا أنه فعل ذلك لكون القران أفضل، ومن أنعم النظر في مجموع روايات هذه الواقعة يتجلى له هذا المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>