قال البزار:«وما نعلم أسند عبد الله بن شقيق، عن عثمان غير هذا الحديث».
قال ابن حجر في فتح الباري (٣/ ٤٢٥): «زاد مسلم من طريق عبد الله بن شقيق، عن عثمان، قال: أجل، ولكنا كنا خائفين. قال النووي: لعله أشار إلى عمرة القضية سنة سبع، لكن لم يكن في تلك السنة حقيقة تمتع؛ إنما كان عمرة وحدها.
قلت: هي رواية شاذة، فقد روى الحديث مروان بن الحكم، وسعيد بن المسيب، وهما أعلم من عبد الله بن شقيق، فلم يقولا ذلك».
وسيأتي أن هناك من تأوله على غير ذلك، وقد قال بقول النووي: ابن تيمية، حيث قال:«فقد اتفق عثمان وعلي على أنهم تمتعوا مع النبي ﷺ، وأما قول عثمان: كنا خائفين؛ فإنهم كانوا خائفين في عمرة القضية، وكانوا قد اعتمروا في أشهر الحج، وكان كل من اعتمر في أشهر الحج يسمى أيضاً متمتعاً؛ لأن الناهين عن المتعة كانوا ينهون عن العمرة في أشهر الحج مطلقاً»، ثم استشهد على ذلك بحديث سعد بن أبي وقاص في قصة معاوية، إلى أن قال:«وقد سمى سعد عمرة القضية متعة، فلعل عثمان أراد الخوف عام القضية، وكانوا أيضاً خائفين عام الفتح، وأما عام حجة الوداع فكانوا آمنين، لم يكن قد بقي مشرك، بل نفى الله الشرك وأهله» [مجموع الفتاوى (٢٦/ ٦٧)].
قلت: وقوله هذا أشبه بالصواب، وأولى بالقبول ممن رد الرواية، وحملها على الشذوذ، مع كونها في الصحيح، طالما أمكن حملها على معنى صحيح، ومنهم من حمله على معنى بعيد، وهو: خوف فسخ الحج، أو خوف نقصان الأجر، وسيأتي نقل قول من قال بذلك، وقد أعجبني تصرف ابن كثير حين علق على هذه الكلمة، فأمضاها كما هي، وقبل الرواية وصححها، وعبر بتعبير لطيف، حيث قال في السيرة (٤/ ٢٧٠)، وفي البداية والنهاية (٧/ ٤٧٩): «ولست أدري علام يحمل هذا الخوف من أي جهة كان إلا أنه تضمن رواية الصحابي لما رواه، وحمله على معنى ظنه، فما رواه صحيح مقبول، وما اعتقده ليس بمعصوم فيه، فهو موقوف عليه، وليس بحجة على غيره، ولا يلزم منه رد الحديث الذي رواه».
٩ - ورواه أيضاً: محمد بن جعفر غندر، ويحيى بن سعيد القطان، وحجاج بن محمد المصيصي [وهم ثقات]:
عن شعبة، عن قتادة، قال: سمعت جري بن كليب، يقول: رأيت عثمان ينهى عن المتعة، وعلي يأمر بها، قال: فأتيت علياً، فقلت: إن بينكما لشراً؛ أنت تأمر بها، وعثمان ينهى عنها؟ فقال: ما بيننا إلا خير، ولكن خيرنا أتبعنا لهذا الدين. لفظ حجاج [عند أبي عبيد]، وغندر [عند البزار]، وبنحوه لفظ القطان [عند مسدد]، وأبهم المتعة.
أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في الناسخ والمنسوخ (٣٣٩)، ومسدد في مسنده (مطالب - ١٦/ ١٤٩/ ٣٩٤٦)، والبزار (٣/ ٩٦/ ٨٧٧)، وأبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (١/ ٣٥٥)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (٤٢/ ٤١٩).