للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

حديث بكر بن عبد الله المزني عن ابن عمر، وقال: «فأخبر ابن عمر في حديث بكر هذا: أن رسول الله قدم مكة، وهو ملب بالحج، وقد أخبر في حديث سالم: أن رسول الله بدأ فأحرم بالعمرة، فهذا معناه - عندنا، والله أعلم -، أنه كان أحرم أولاً بحجة، على أنها حجة، ثم فسخها فصيرها عمرة، فلبي بالعمرة، ثم تمتع بها إلى الحج، حتى يصح حديث سالم وبكر هذين، ولا يتضادان، وفسخ رسول الله الحج الذي كان فعله وأمر به أصحابه هو بعد طوافهم بالبيت، … ، فاستحال بذلك أن يكون الطواف الذي كان رسول الله فعله للعمرة التي انقلبت إليها حجته مجزياً عنه من طواف حجته التي أحرم بها بعد ذلك. ولكن وجه ذلك - عندنا، والله أعلم -، أنه لم يطف لحجته قبل يوم النحر، لأن الطواف الذي يفعل قبل يوم النحر في الحجة، إنما يفعل للقدوم، لا لأنه من صلب الحجة، فاكتفى ابن عمر بالطواف الذي كان فعله بعد القدوم في عمرته عن إعادته في حجته، وهذا مثل ما قد روي عن ابن عمر أيضاً من فعله.

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن أيوب، عن نافع، أن ابن عمر كان إذا قدم مكة رمل بالبيت، ثم طاف بين الصفا والمروة، وإذا لبى من مكة بها، لم يرمل بالبيت وأخر الطواف بين الصفا والمروة إلى يوم النحر، وكان لا يرمل يوم النحر. فدل ما ذكرنا أن ابن عمر كان إذا أحرم بالحجة من مكة، لم يطف لها إلى يوم النحر، فكذلك ما روي عن رسول الله من إحرامه بالحجة التي أحرم بها بعد فسخ حجته الأولى، لم يكن طاف لها إلى يوم النحر، فليس في حديث ابن عمر عن النبي من حكم طواف القارن لعمرته وحجته شيء. وثبت بما ذكرنا أيضاً، خطأ الدراوردي في حديث عبيد الله الذي وصفناه».

وقال الطبراني: «لم يرو هذا الحديث عن عبيد الله إلا عبد العزيز الدراوردي، وسفيان الثوري، ولم يروه عن سفيان إلا يحيى بن يمان».

وقال ابن حزم في حجة الوداع (٤٢٧): «وهذا حديث لو صح لم يكن فيه حجة أصلاً؛ لأنه كان يكون فيه حكم القرآن الذي يجوز له القرآن وهو الذي ساق الهدي مع نفسه قبل إحرامه، فيكون حينئذ موافقاً لجميع الأحاديث الصحاح، وهكذا نقول: إن من قرن ممن معه الهدي فإنه لا طواف بحجه وعمرته إلا طوافاً واحداً، ولا يحل بينهما، فكيف وهو حديث منكر شديد النكرة؟ وهو ساقط؛ لأن عبيد الله بن محمد بن إسحاق، وعبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي: مجهولان، ومصعب بن عبد الله: ليس مشهوراً في الحديث، ولا موصوفاً بحفظه، وإنما هو عالم بالأشعار والأخبار والأنساب فقط، ويكفي من هذا جهل الرجلين المذكورين، ولا يحتج عن النبي إلا بما رواه المعروفون الثقات».

قلت: نعم؛ الحديث منكر، ولكن ليس لأجل ما ذكر ابن حزم، فإن مصعب بن عبد الله الزبيري: مدني ثقة، وثقه أحمد وابن معين والدارقطني، والقاسم بن مسلمة،

<<  <  ج: ص:  >  >>