ما كان بعد الوقوف بعرفة قبل الجمرة أو بعدها. وهو قول إسماعيل ومن بعده من البغداديين من المالكيين. وقال أبو الفرج: هو الذي لا يجوز غيره. وأنكر رواية المصريين عن مالك».
قلت: نعم، يطوف طوافاً واحداً بالبيت؛ ويحمل على الطواف الركن، وهو طواف الإفاضة، والذي يكون عن الحج يوم النحر، بعد أن يفيض الناس من عرفات، وهو المذكور عن النبي ﷺ من فعله صريحاً في حديث عقيل عن الزهري عن سالم عن ابن عمر، وفيه:«ونحر هديه يوم النحر، وأفاض فطاف بالبيت، ثم حل من كل شيء حرم منه» [أخرجه البخاري (١٦٩١)، ومسلم (١٧٤/ ١٢٢٧)، وهو حديث الباب (١٨٠٥)]، والأصل عدم تعارض رواية سالم ونافع عن ابن عمر، في صفة حجة النبي ﷺ، فكلاهما تفسر الأخرى، ولم يعتد نافع بذكر الطواف الأول بالبيت لكونه كان مستحباً، وهو طواف القدوم، وأما السعي: فقد اكتفى النبي ﷺ بسعيه للحج بين الصفا والمروة، والذي كان مع طواف القدوم، فلم يسع بين الصفا والمروة بعد أن رجع من منى، ورواية نافع وسالم متفقتان في هذا.
وعلى هذا المعنى الذي ذكرت يدور كلام الشراح لهذا الحديث، وانظر قول النووي في شرحه لحديث جابر من صحيح مسلم (٨/ ١٩٢): «هذا الطواف هو طواف الإفاضة، وهو ركن من أركان الحج بإجماع المسلمين، وأول وقته عندنا: من نصف ليلة النحر، … ، وشرطه: أن يكون بعد الوقوف بعرفات، حتى لو طاف للإفاضة بعد نصف ليلة النحر قبل الوقوف ثم أسرع إلى عرفات فوقف قبل الفجر لم يصح طوافه؛ لأنه قدمه على الوقوف».
وقال ابن القيم في صفة ما صح عن النبي ﷺ في حجته، في زاد المعاد (٢/ ١١٨): «والصواب: أنه أحرم بالحج والعمرة معاً من حين أنشأ الإحرام، ولم يحل حتى حلّ منهما جميعاً، فطاف لهما طوافاً واحداً، وسعى لهما سعياً واحداً، وساق الهدي، كما دلت عليه النصوص المستفيضة التي تواترت تواتراً يعلمه أهل الحديث، والله أعلم».
ج - ورواه يحيى بن سعيد القطان، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وعبد الله بن نمير، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني، وسفيان بن عيينة [وعنه: الحميدي، وابن أبي عمر العدني، وعلي بن ميمون الرقي]، وهشيم بن بشير، وأبو عمران عبد الله بن رجاء المكي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي [وهم ثقات]، ومسلم بن خالد الزنجي [ليس بالقوي]:
عن عبيد الله بن عمر العمري: حدثني نافع؛ أن عبد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله كَلَّما عبد الله حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير، قالا: لا يضرك أن لا تحج العام، فإنا نخشى أن يكون بين الناس قتال، يُحال بينك وبين البيت قال: فإن حيل بيني وبينه فعلت كما فعل رسول الله ﷺ وأنا معه، حين حالت كفار قريش بينه وبين البيت، أشهدكم أني قد أوجبت عمرة، فانطلق حتى أتى ذا الحليفة فلبي بالعمرة، ثم قال: إن خُلي سبيلي قضيتُ