الوحي، والثاني: أن الكلام في هذا المسألة هو تفصيل وتفسير لقوله تعالى: ﴿فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج﴾، ثم هو تفسير لما سكت عنه فيما رواه سالم عن ابن عمر مرفوعاً، في حديث عقيل عن الزهري:«ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر وليحلل، ثم ليُهلَّ بالحج وليُهدِ، فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله».
وعليه فقوله هنا هو بيان لكيفية صيام هذه الأيام الثلاثة في الحج، وأن من فاته صيامها فيما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة؛ صامها أيام التشريق، وأنه قد رُخص له في ذلك، يعني: أنه قد جاء الإذن بعد المنع، فظهر بذلك أمران: أن أيام التشريق قد سبق المنع من صيامها، إلا أنه رخص في صيامها في الحج لمن لم يجد الهدي ولم يكن صام قبل ذلك، فعلم بذلك أن هذا ليس اجتهاداً محضاً من ابن عمر، ولا من عائشة، وإنما أخذاه ممن منع من صيام هذه الأيام، وهو رسول الله ﷺ، وأنه هو الذي أذن فيه بعد المنع واختص من كانت هذه صفته، ولم يكن ذلك استنباطاً من عموم الآية، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
والعجيب في ذلك؛ أن الطحاوي ممن يتوسع في إطلاق حكم الرفع على موقوف الصحابي إذا كان مما لا مجال فيه للرأي؛ إلا أنه هنا ذهب إلى أنهما استنبطا هذا الحكم من عموم الآية، قال ابن حجر: لكن قال الطحاوي: إن قول ابن عمر وعائشة: لم يُرخّص؛ أخذاه من عموم قوله تعالى: ﴿فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج﴾؛ لأن قوله: في الحج، يعم ما قبل يوم النحر وما بعده، فيدخل أيام التشريق، فعلى هذا فليس بمرفوع، بل هو بطريق الاستنباط منهما عما فهماه من عموم الآية، وقد ثبت نهيه ﷺ عن صوم أيام التشريق، وهو عام في حق المتمتع وغيره، وعلى هذا فقد تعارض عموم الآية المشعر بالإذن، وعموم الحديث المشعر بالنهي، وفي تخصيص عموم المتواتر بعموم الآحاد نظر، لو كان الحديث مرفوعاً، فكيف وفي كونه مرفوعاً نظر؟! فعلى هذا يترجح القول بالجواز، وإلى هذا جنح البخاري، والله أعلم.
• خالف أصحاب شعبة الأثبات؛ فرفعه:
يحيى بن سلام البصري، قال: حدثنا شعبة، عن ابن أبي ليلى [هكذا في جميع المصادر، وجاء عند الدارقطني منسوباً: عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى]، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: رخص رسول الله ﷺ للمتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم حتى فاتته أيام العشر؛ أن يصوم أيام التشريق مكانها. لفظ الطبري وأبي أحمد الحاكم وتمام والبيهقي.
ولفظ الدارقطني والمخلص: رَخَّص رسول الله ﷺ للمتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق.
ولفظه عند الطحاوي: أن رسول الله ﷺ قال في المتمتع إذا لم يجد الهدي، ولم يصم في العشر: إنه يصوم أيام التشريق.