وثبت أنه ﷺ حلق بمنى، وفَرَّقَ أبو طلحة ﵁ شعره بين الناس؛ فلا يجوز حمل تقصير معاوية على حجة الوداع، ولا يصح حمله أيضاً على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع من الهجرة؛ لأن معاوية لم يكن يومئذ مسلماً إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان، هذا هو الصحيح المشهور، ولا يصح قول من حمله على حجة الوداع وزعم أنه ﷺ كان متمتعاً؛ لأن هذا غلط فاحش، فقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة السابقة في مسلم وغيره: أن النبي ﷺ قيل له: ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت؟ فقال:«إني لبدت رأسي وقلدت هديي؛ فلا أحل حتى أنحر الهدي»، وفي رواية:«حتى أحل من الحج»، والله أعلم».
وقال ابن تيمية في منهاج السنة (٤/ ٤٣٧): «وبعض الناس يقول: إنه أسلم قبل ذلك [يعني: معاوية]، فإن في الصحيح عنه، أنه قال: قصرت عن النبي ﷺ على المروة. رواه البخاري ومسلم، ولفظه: أعلمت أني قصرتُ من رأس رسول الله ﷺ عند المروة بمشقص؟ قاله لابن عباس، وقال له: لا أعلم هذا حجة إلا عليك. وهذا قد قيل: إنه كان في حجة الوداع، ولكن هذا خلاف الأحاديث المروية المتواترة عن النبي ﷺ، فإنها كلها متفقة على أن النبي ﷺ لم يحل من إحرامه في حجة الوداع إلى يوم النحر، وأنه أمر أصحابه أن يحلوا من إحرامهم الحل كله، ويصيروا متمتعين بالعمرة إلى الحج، إلا من ساق الهدي، فإنه يبقى على إحرامه إلى أن يبلغ الهدي محله. وكان النبي ﷺ وعلي وطلحة وطائفة من أصحابه قد ساقوا الهدي فلم يحلوا، وكانت فاطمة وأزواج النبي ﷺ ممن لم يسق الهدي فحللن والأحاديث بذلك معروفة في الصحاح والسنن والمسانيد.
فعرف أنه لم يقصر معاوية عن النبي ﷺ في حجة الوداع، … ، وتقصير معاوية عن النبي ﷺ على هذا قد كان قبل حجة الوداع؛ إما في عمرة القضية وعلى هذا فيكون قد أسلم قبل الفتح كما زعم بعض الناس، لكن لا يعرف صحة هذا، وإما في عمرة الجعرانة، كما روي أن هذا التقصير كان في عمرة الجعرانة، وكانت بعد فتح مكة، وبعد غزوة حنين، وبعد حصاره للطائف، فإنه ﷺ رجع من ذلك فقسم غنائم حنين بالجعرانة، واعتمر منها إلى مكة، فقصر عنه معاوية ﵁، وكان معاوية قد أسلم حينئذ، فإنه أسلم عند فتح مكة، واستكتبه النبي ﷺ لخبرته وأمانته».
وقال ابن تيمية في شرح العمدة (٥/ ٢٠٥ - ط عطاءات العلم) في سياق الكلام عن قول أحمد في شأن من ساق الهدي وقدم في شوال، أو قدم في العشر:«وهم وإن قدموا في العشر لكن النبي ﷺ علل بعلة عامة، فقال: … ، ولأنه قال لأصحابه: «من كان منكم أهدى فلا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه»، وهذا نهي عن التحلل بالتقصير وغيره؛ فإنه نكرة في سياق النفي فكيف يجوز؟
وأمر الذين لم يسوقوا الهدي أن يتحللوا بالتقصير، فكيف يجوز أن يسوي بينهم في التقصير بعد إذنه فيه لمن لم يسق الهدي دون من ساق؟ وقال عن نفسه:«لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله»، وهذا نص في اجتنابه كل المحرمات من التقصير وغيره.