للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

تابعه، حيث سمعه طاووس من ابن عباس، لكن ابن عيينة كان يتصرف في روايته، ولا يضره ذلك، والله أعلم.

وهشام بن حجير: مكي، ليس بالقوي، وروايته عن طاووس في الصحيحين، لكنهما انتقيا من حديثه ما توبع عليه، وصح عندهما، وهذا منه، وقد تقدم تأويله [راجع: صيانة الصحيح عن القدح والتجريح (٣٤) وعليه: فالعمدة في لفظ هذا الحديث عند مسلم؛ ما رواه ابن جريج، قال: حدثني حسن بن مسلم عن طاووس؛ أن ابن عباس أخبره؛ أن معاوية بن أبي سفيان أخبره، قال: قَصَّرْتُ عن رسول الله بمِشْقَصٍ وهو على المروة. أو: رأيته يُقَصَّرُ عنه بمِشْقَصٍ وهو على المروة. والله أعلم.

يعني: الاحتجاج به على التقصير عند الإحلال، وأن إحلال المعتمر يكون عند المروة، ولا يعتمد عليه في الاحتجاج به على كون النبي كان متمتعاً في حجة الوداع، بحجة أنه قصر بعد العمرة، بحديث معاوية هذا؛ إذ الثابت عن رسول الله أنه كان في حجة الوداع قارناً، لم يَحِلَّ من إحرامه، ولا أخذ من شعره؛ حتى نحر الهدي يوم النحر، فقد أخبر عن نفسه بقول صريح: «إني لبَّدت رأسي وقلَّدت هديي؛ فلا أحل حتى أنحر الهدي»؛ ثم إنه قد أمر من لم يسق الهدي بأن يحل بالعمرة ويُقَصِّر، وأمر من كان قد ساق الهدي بأن لا يحل حتى ينحر هديه، ولا يحل منه شيءٌ حَرُمَ منه حتى يقضي حجه، يعني: فلا يحل له أن يأخذ من شعره، ففرَّق بذلك بين الطائفتين، فكيف يصح بعد ذلك أن يأتي أمام الجميع عند المروة، في هذا المشهد العظيم من الناس، وأعينهم معلقة به بعدما سمعوا منه هذا الأمر الجلل، وناقشوه فيه، وقال فيه سراقة ما قال، وقال بعضهم: أي الحل؟، فرد عليهم قائلاً: «الحل كله»، أفبعد هذا الأمر المفصل على المروة، يأتي فيُقَصِّر هو على المروة أمام أعينهم، ويخالف فعله قوله وأمره، ثم لا يأمر أحداً ممن ساق الهدي مثل أبي بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير وذوي اليسار، لم يأمر أحداً منهم أن يتأسى به في فعله، ويأخذ من شعره، ثم لا ينقل ذلك عنه أحد سوى معاوية؛ سبحانك هذا بهتان عظيم!!! إنها لإحدى الكُبَر!!!

فإن قيل: فلماذا تقبل تفرد معاوية بنقل التقصير على المروة في عمرة الجعرانة؟

فيقال: كان أمر عمرة الجعرانة خفياً، حيث كانت ليلاً، ولم يشهدها سوى نفر قليل من الصحابة، فقد روى محرش الكعبي: أن رسول الله خرج من الجعرانة حين أنشأ معتمراً، فدخل مكة ليلاً، فقضى عمرته، ثم خرج من تحت ليلته؛ فأصبح بالجعرانة كبائت، … ، قال محرش: فلذلك خفيت عمرته على كثير من الناس. [أخرجه أبو داود (١٩٩٦). والترمذي (٩٣٥). والنسائي في المجتبى (٥/ ٢٨٦٣/ ١٩٩) و (٥/ ٢٨٦٤/ ٢٠٠). وفي الكبرى (٣٨٣٢ و ٤/٩٦/ ٣٨٣٣) و (٤/٢٤٠/ ٤٢٢٠ - ٤٢٢٢). والدارمي (٢٠٢٠ - ط البشائر)، واللفظ له، وأحمد (٣/ ٤٢٦ و ٤٢٧) و (٤/ ٦٩) و (٥/ ٣٨٠). والحميدي (٨٨٦). وابن أبي شيبة (٨/ ١٤٢٣٧/ ١٤٦) و (٨/ ١٤٢٥٠/ ١٤٩) و (٩/ ١٦٣٠٤/ ٧٩) و (٩/٨٠/ ١٦٣٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>