البرقاني للدارقطني (٤٢٢): «سألته عن محمد بن إسحاق بن يسار عن أبيه؟ فقال: لا يحتج بهما، وإنما يعتبر بهما» [التهذيب (١/ ٦٧٧ - ط دار البر)].
ومحمد بن إسحاق بن يسار: صدوق وسط، ليس بالحافظ الذي يعتمد على حفظه، وليس هو بحجة؛ ولا يُقبل منه تفرده في كل حال، وقد قال فيه أحمد:«لم يكن يحتج به في السنن»، واختلف فيه قول ابن معين، وقال النسائي:«ليس بالقوي»، وقد وثقه جماعة لصدقه وكثرة حديثه، حتى قال ابن عدي:«وقد فتشت أحاديثه الكثيرة فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يُقطع عليه بالضعف، وربما أخطأ أو وهم في الشيء بعد الشيء كما يخطئ غيره، ولم يتخلف عنه في الرواية عنه الثقات والأئمة، وهو لا بأس به» [الكامل (٧/ ٢٧٠)(٩/٤٨ - ط الرشد). التهذيب (١١/ ٢٩٣ - ط دار البر)].
وما نقلته صفية بنت شيبة عن أسماء في هذه الواقعة هو العمدة في هذه المسألة، وهي ألصق بأسماء وأعرف بحديثها، لاسيما وقد اشتمل حديثها على قصة تؤكد صحتها: فقد روت صفية بنت شيبة عن أسماء بنت أبي بكر ﵂، قالت: خرجنا محرمين، فقال رسول الله ﷺ:«من كان معه هدي فليقم على إحرامه، ومن لم يكن معه هدي فليحلل»، فلم يكن معي هدي فحللت وكان مع الزبير هدي فلم يحلل، قالت: فلبست ثيابي [وحللت]، ثم خرجت فجلست إلى الزبير، فقال: قومي عني، فقلت: أتخشى أن أَثِبَ عليك؟ [أخرجه مسلم (١٩١/ ١٢٣٦)، وتقدم ذكره قريباً في طرق حديث أسماء].
وفي رواية: قدمنا مع رسول الله ﷺ مهلين بالحج، فلما دنونا من مكة، قال رسول الله ﷺ:«من لم يكن معه هدي فليحلل، ومن كان معه هدي فليقم على إحرامه»، قالت: وكان مع الزبير هدي، فأقام على إحرامه، ولم يكن معي هدي فأحللت، فلبست ثيابي وتطيبت من طيبي، ثم جلست إلى الزبير، فقال: استأخري عني فقلت: أتخشى أن أثب عليك.
وهذا حديث صحيح محكم مفصل، يرد إليه كل متشابه مجمل يحتمل التأويل، وما جاء في إحلال الزبير بعمرة مثلما حل الناس؛ فهو إما مجمل يحتمل التأويل، أو صريح في إسناده مقال يرد به التصريح، مثل:
• ما رواه وكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، عن عبد الجبار بن ورد [المخزومي المكي: ثقة، وله أوهام]، عن ابن أبي مليكة، قال: قال ابن عباس لعروة بن الزبير: يا عُريَّة سَلْ أمك؛ أليس قد جاء أبوك مع رسول الله ﷺ فأحل.
أخرجه أحمد (١/ ٣٢٣ و ٣٥٦). [الإتحاف (٧/ ٣٤٥/ ٧٩٦٥)، المسند المصنف ١٢/ ١٨٢/ ٥٨١٥]
قلت: هذا حديث أخطأ فيه عبد الجبار بن الورد، وهو: ثقة، لكنه كان يهم في الشيء بعد الشيء، ويخالف في بعض حديثه [راجع ترجمته مفصلة في فضل الرحيم الودود (١٨/ ١٥١/ ١٤٧١)]، وهو هنا جعل الزبير بن العوام ممن أحلَّ، وتمتع، مما يعني أنه لم يسق الهدي، والصحيح أن هذا إنما وقع لأسماء، وليس للزبير.