وقوله:«ولقد أخبرتني أمي: أنها أهلت هي وأختها - يعني: عائشة - والزبير وفلان وفلان بعمرة قط، فلما مسحوا الركن حلوا، وحديث أسماء أيضاً بعده: اعتمرت أنا وأختي عائشة والزبير وفلان وفلان، فلما مسحنا البيت أحللنا، ثم أهللنا بالحج: ليس هذا اللفظ على عمومه، والمراد بالمسح بالبيت من عدا عائشة، فقد تقدم من الطرق الصحيحة أنها حاضت ولم تتمسح بالبيت ولم تطف، ولا تحللت بذلك من عمرتها كما تقدم، وإنما قصدت هنا الإخبار عن حجهم، مع أن النبي ﵇ على الصفة التي ذكرت أول الحديث، كما أن عروة قصد إلى أن طواف الورود، لا يُحل الحج، وأنه يحل المعتمر، وأن أولئك قدموا ومعهم عائشة بعمرة، أي معتمرون عمرة الفسخ التي أمرهم بها ﵇، أو لما روى من اختلاف الناس، فيكونون ممن أهل بعمرة؛ فلذلك حلوا حين طافوا، ولم يتعرض لخبر عائشة وعذرها، وخصوصها من بينهم لذلك، وقيل: لعل أسماء أشارت إلى عمرة عائشة التي فعلت بعد الحج مع أخيها عبد الرحمن، وأما قول من قال: لعلها أرادت في غير حجهم مع النبي ﷺ، فخطأ؛ لأن في الحديث النص أن ذلك كان في حجهم مع النبي ﵇. قال الإمام: ومعنى مسحوا: طافوا؛ لأن الطائف يمسح الركن، فعبر عن الطواف ببعض ما يفعل فيه، ومنه قول ابن أبي ربيعة:
فكنى بالمسح عن الطواف، ويحتمل أن يكون: مسحوا بالركن: أي: طافوا وسعوا، وحذف ذكر السعي اختصاراً لما كان مرتبطاً بالطواف، ولا يصح دونه، ويؤيد هذا التأويل: أنها قالت فيما ذكره عنها بعد: ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة؛ إلا أن يتأول عليها أنها إنما أرادت بالإتمام الكمال لا الصحة، ويحتمل أن يكون ذلك على رأى من رأى أن السعي غير واجب، وفيه اختلاف بين الناس، وقد رأيت بعض أهل العلم أشار إلى أن من الناس من ذهب إلى أن المعتمر إذا دخل الحرم حل، وإن لم يطف ويسع، وله أن يلبس ويتطيب، ويفعل ما يفعل الحلال، ويكون طوافه وسعيه كأنه عمل خارج عن الإحرام، كما يكون رمي الجمار، والمبيت بمنى عملاً خارجاً عن الإحرام».
وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (٢/ ٢٧٩): «ذكره البخاري، وقال: عمرة، في المواضع كلها بدل غيره، وهو الصواب».
وقال أبو العباس القرطبي في المفهم (٣/ ٣٦٢): «قلت: ويحتمل أن يحمل لفظ مسلم على معنى صحيح من غير احتياج إلى تقدير تغيير وتوهيم للرواة الحفاظ»، بأن يقال: إن قوله: ثم لم يكن غيره. يعني: إنه لم يكن تحلل بعمرة؛ أي لم يحدث غير الإحرام الأول. وأفاد ذلك: أن طوافهم الأول لم يكن للعمرة بل للقدوم. وعلى هذا الذي ذكرناه تكون رواية من رواه: ثم لم تكن عمرة؛ مقيدة لهذه الرواية: ثم لم يكن غيره. ولا تكون هذه تصحيفاً.