قلت: قد سبق نقل هذا عن ابن حزم، مع الرد عليه، عند الكلام عن الحديث السابق برقم (١٧٧٩ و ١٧٨٠)، والذي أخرجه البخاري (١٥٦٢ و ٤٤٠٨)، ومسلم (١١٨/ ١٢١١)، من طريق: مالك، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي ﷺ، قالت: خرجنا مع رسول الله ﷺ عام حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بالحج، وأهل رسول الله ﷺ بالحج، فأما من أهل بعمرة فحل، وأما من أهل بالحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر.
وقال ابن بطال في شرح البخاري (٤/ ٣٢٠): «هذا الحديث حجة لمن اختار الإفراد في الحج، وأن ذلك كان عمل النبي ﷺ وأصحابه بعده، لم يعدل أحد منهم إلى تمتع ولا قران لقوله: ثم لم تكن عمرة».
وقال القاضي عياض في مشارق الأنوار (٢/ ٨٨): «قوله في حديث مسلم عن هارون بن سعيد في طواف القارن، وذكر حج النبي ﷺ، وحج أبي بكر، وطوافهما بالبيت، ثم قال: ثم لم يكن غيره؛ بالغين المعجمة بعدها ياء باثنتين تحتها، ثم ذكر في حج عثمان مثل ذلك، وفي حج الزبير، وذكر البخاري هذا، وقال: ثم لم تكن عمرة؛ بعين مهملة بعدها ميم ساكنة، وهو الصواب». وفي موضع آخر (٢/ ٣٥٧): «وقوله في الحج عن النبي ﷺ، وأنه حين قدم مكة طاف ثم لم تكن عمرة، وذكره عن الخلفاء مثله، وصوابه في جميعها: لم يكن عمرة؛ مفتوحة على خبر كان أي: لم يكن طوافه وفعله عمرة».
وقال في إكمال المعلم (٤/ ٣١٣): «وقوله: ثم حج أبو بكر ﷺ فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم يكن غيره، وذكر بمثل ذلك عن عمر وعثمان وسائر من ذكره، وفي كلها يقول: ولم يكن غيره كذا في كتاب مسلم في جميع النسخ الواصلة إلينا، وفيه تصحيف وصوابه: ثم لم تكن عمرة وهكذا رواه البخاري، وسقط عند مسلم. وبقوله: عمرة؛ يستقيم الكلام، وليس لقوله: ثم لم تكن غيره؛ معنى هنا، وقد كان غير ذلك العمل من النبي ﷺ ومنهم من تمام الحج، ويدل على صحة هذا قوله في الحديث نفسه: وآخر من فعل ذلك ابن عمر ولم ينقضها بعمرة، وكأن السائل لعروة إنما سأله عن فسخ الحج في العمرة على مذهب من رأى ذلك، واحتج بأمر النبي ﵇ لهم بذلك للعلة التي تقدمت، فأعلمه عروة أن النبي ﷺ لم يفعل ذلك بنفسه، ولا من جاء بعده».
ثم قال (٤/ ٣١٤): «وقوله: ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدؤون بشيء حين يضعون أقدامهم أول من الطواف بالبيت ثم لا يحلون؛ فيه الحجة على أن أفضل عمل الحاج الداخل الطواف بالبيت، وأنه لا يبدأ بالركوع وتحية المسجد قبله، وفيه الحجة بعمل الخلفاء والسلف، وما عليه الكافة من سنة طواف الورود، وترك فسخ الحج في العمرة، وأن ذلك كان خاصاً كما تقدم، وتكذيب عروة أول الحديث وآخره لمن قال خلاف ذلك، دليل على استقرار العمل على تركه».