وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (٢/٢٥٨/ ١٢٨٨) و (٢/ ٣٠٧/ ١٣٨٥). [التحفة (١١/٣٣٣/ ١٦٣٩٠)، الإتحاف (١٧/١٥٩/ ٢٢٠٥١)، المسند المصنف ٣٨/٩٨/ ١٨١٧٦].
قلت: ومما يؤكد صحة رواية أبي الأسود هذه عن عروة:
ما رواه شعبة، عن قتادة قال: سمعت أبا حسان الأعرج، قال: قال رجل من بني الهجيم لابن عباس: ما هذه الفتيا التي قد تشعفت أو تشعبت بالناس، أن من طاف بالبيت فقد حل؟ فقال: سنة نبيكم ﷺ، وإن رغمتم. [أخرجه مسلم (٢٠٦/ ١٢٤٤)، وقد سبق تخريجه تحت الحديث السابق برقم (١٧٩٢)].
فإذا وضعنا في الاعتبار كون عروة إنما يقصد بهذا السياق الرد على هذه الفتيا التي انتشرت في الناس عن ابن عباس، وأنه ينسبها إلى رسول الله ﷺ، وإنما هي اجتهاد منه؛ أن من طاف بالبيت فقد حلَّ، شاء أم أبى! يظهر لنا المراد من هذا السياق، وهو أن عروة قصد إلى إبطال قول ابن عباس، وأن هؤلاء جميعاً كانوا أعلم برسول الله ﷺ من ابن عباس، في إباحة إفراد الحج، وأن من دخل مكة حاجاً مفرداً؛ فإنه لا يلزمه الفسخ، حيث عمل الخلفاء الراشدون والأنصار والمهاجرون بالإفراد من غير نكير، حيث طافوا بالبيت طواف القدوم، ثم لم يحلوا، وإنما أتموا حجهم، فلم يحلوا منه إلا يوم النحر، وأن المكلف مخير بين الأنساك الثلاثة، وأن الإفراد لم ينسخ، ولهذا فقد احتج شيخ الإسلام ابن تيمية بهذا الحديث على أن الخلفاء الراشدين بعد النبي ﷺ قد أفردوا الحج [انظر: شرح العمدة (٤/ ٣٣٢)]، والله أعلم.
وأما بالنسبة لعائشة والزبير: فقد تقدم بيان أنهما لم يحلا بعمرة، أما عائشة فكانت حائضاً فأدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة، فيصدق عليها أنها كانت معتمرة، لكنها لم تحل من إحرامها إلا يوم النحر، وأما الزبير فإنه كان قارناً لكونه ساق الهدي ولم يحل إلا يوم النحر، فيصدق عليه أنه كان معتمراً، وأما إطلاق أنهما داخلان في قول أسماء: فلما مسحوا الركن حلوا، فليس بصحيح، فإنما عنت أسماء نفسها، ومن لم يسق الهدي ممن ذكرت بقولها: وفلان وفلان، وقد اشتهر أمر عائشة بما لا يخفى على أحد، حتى نقله جابر بن عبد الله، فكيف يخفى أمرها على أختها أسماء، وأما الزبير فإن أسماء نفسها هي من أخبرت بأنه لم يحل من إحرامه لأنه لم يسق الهدي، وأنه قال لها لما جاءته متطيبة بعد إحلالها من العمرة: استأخري عني.
قال ابن حزم في المحلى (٥/ ٩٤): «حديث أبي الأسود عن عروة عن عائشة، وحديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عنها: منكران وخطأ عند أهل العلم بالحديث».
وقال في حجة الوداع (٣٤٧): «ولا حجة لمن تعلل بهذه الأخبار في شيء منها، أما حديث أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة، عن عائشة، وحديث يحيى بن عبد الرحمن، عن عائشة؛ فقد أنكره قبلنا أحمد بن حنبل».