وقال في مجموع الفتاوى (٢٦/ ٦٩): «وهذا إنما أراد به سعد عمرة القضية؛ فإن معاوية لم يكن أسلم إذ ذاك، وأما في حجة الوداع فكان قد أسلم، فكذلك في عمرة الجعرانة، فسمى سعد الاعتمار في أشهر الحج متعة؛ لأن بعض الشاميين كانوا ينهون عن الاعتمار في أشهر الحج، فصار الصحابة يروون السنة في ذلك رداً على من نهى عن ذلك، فالقارن عندهم متمتع، ولهذا وجب عليه الهدي»، ودخل في قوله تعالى ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحج فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي﴾.
وقال الذهبي في المهذب في اختصار السنن الكبرى (٤/ ١٧٥٦): «وهذا لا يتجه؛ لأن عام حجة الوادع لم يبق بمكة كافر».
وقال ابن كثير في البداية (٧/ ٤٥٧): «وهذا كله من باب إطلاق التمتع على ما هو أعم من التمتع الخاص، وهو الإحرام بالعمرة والفراغ منها ثم الإحرام بالحج، ومن القران، بل كلام سعد فيه دلالة على إطلاق التمتع على الاعتمار في أشهر الحج، وذلك أنهم اعتمروا ومعاوية بعد كافر بمكة قبل الحج، إما عمرة الحديبية أو عمرة القضاء، وهو الأشبه، فأما عمرة الجعرانة؛ فقد كان معاوية أسلم مع أبيه ليلة الفتح، وروينا أنه قصر من شعر النبي ﷺ بمشقص في بعض عمره، وهي عمرة الجعرانة لا محالة، والله أعلم».
وقال ابن حجر في فتح الباري (٣/ ٥٦٥) أثناء الكلام على حديث معاوية، قال: قصرت عن رسول الله ﷺ بمشقص، قال: وقد بالغ النووي هنا في الرد على من زعم أن ذلك كان في حجة الوداع، فقال: هذا الحديث محمول على أن معاوية قصر عن النبي ﷺ في عمرة الجعرانة؛ لأن النبي ﷺ في حجة الوداع كان قارناً، وثبت أنه حلق بمنى، وفرق أبو طلحة شعره بين الناس، فلا يصح حمل تقصير معاوية على حجة الوداع، ولا يصح حمله أيضاً على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع؛ لأن معاوية لم يكن يومئذ مسلماً؛ إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان، هذا هو الصحيح المشهور، ولا يصح قول من حمله على حجة الوداع، وزعم أن النبي ﷺ كان متمتعاً؛ لأن هذا غلط؛ فقد تظاهرت الأحاديث في مسلم وغيره: أن النبي ﷺ قيل له: ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك؟ فقال:«إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر».
قلت: ولم يذكر الشيخ هنا ما مر في عمرة القضية، والذي رجحه من كون معاوية إنما أسلم يوم الفتح صحيح من حيث السند، لكن يمكن الجمع بأنه كان أسلم خفية وكان يكتم إسلامه ولم يتمكن من إظهاره إلا يوم الفتح، وقد أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق من ترجمة معاوية تصريح معاوية بأنه أسلم بين الحديبية والقضية، وأنه كان يخفي إسلامه خوفاً من أبويه، وكان النبي ﷺ لما دخل في عمرة القضية مكة خرج أكثر أهلها عنها حتى لا ينظرونه وأصحابه يطوفون بالبيت، فلعل معاوية كان ممن تخلف بمكة لسبب اقتضاه.
ولا يعارضه أيضاً قول سعد بن أبي وقاص فيما أخرجه مسلم وغيره: فعلناها؛ يعني: العمرة في أشهر الحج، وهذا يومئذ كافر بالعُرُش بضمتين، يعني: بيوت مكة، يشير إلى