إنما أخذه عمن لا يدري، مرة يقول: أخبرنا حِمَّان، ومرة يقول: جُمان، ومرة يقول: جَمَّاز، ومرة يقول: حُمْران، وكل هؤلاء لا يُعرف منهم أحد، قلت: نعم؛ هو مجهول؛ ولأجل إغراقه في الجهالة صحف النقلة اسمه على هذه الوجوه، وحرفوه.
ثم قال:«وقد صح أن أبا شيخ لم يأخذه إلا عن مجهول، فسقط الاحتجاج به».
وقال الخطابي:«جواز القرآن بين الحج والعمرة إجماع من الأمة، ولا يجوز أن يتفقوا على جواز شيء منهي عنه».
وقال ابن القيم:«أبو شيخ هذا لم نعلم عدالته وحفظه، ولو كان حافظاً، لكان حديثه هذا معلوم البطلان، إذ هو خلاف المتواتر عن رسول الله ﷺ من فعله وقوله».
ثم قال:«وعلى كل حال فليس أبو شيخ ممن يعارض به كبار الصحابة الذين رووا القرآن عن رسول الله ﷺ، وإخباره: أن العمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة، وأجمعت الأمة عليه، والله أعلم».
ثم قال:«وأبو شيخ: شيخ لا يحتج به، فضلاً عن أن يقدم على الثقات الحفاظ الأعلام، وإن روى عنه: قتادة ويحيى بن أبي كثير، واسمه خيوان بن خلدة بالخاء المعجمة، وهو مجهول».
وقال ابن كثير:«هذا هكذا ليس محفوظاً عن معاوية ﵁، والله أعلم».
ومما روي عن معاوية من طرق أخرى فيها موضع الشاهد:
أ - ما رواه عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج: حدثني من أصدق؛ أن معاوية قال في جوف الكعبة لرجال من أصحاب النبي ﷺ: أتعلمون أن النبي ﷺ نهى أن يشرب في الفضة؟ قالوا: نعم. قال: وتعلمون أن النبي ﷺ نهى عن لبس الحرير؟ قالوا: نعم. قال: وتعلمون أن النبي ﷺ نهى عن أن يركب بجلود النمور؟ قالوا: نعم. قال: وتعلمون أن النبي ﷺ نهى أن يلبس الذهب إلا المقطع؟ قالوا: نعم. قال: وتعلمون أن النبي ﷺ نهى أن يجمع بين الحج والعمرة؟ قالوا: لا، قال: بلى، إنه في هذا الحديث، قالوا: لا نعلمه. قال: والذهب المقطع زعموا القلادة والخاتم، والذي ليس بمقطع الطوق والقلب والدملج.
أخرجه عبد الرزاق (٥/ ٤٣٣/ ١٠٠٨٤ - ط التأصيل الثانية).
قلت: وهذا ليس بشيء، فمن كان ثقة عند ابن جريج، قد يظهر لغيره من النقاد أنه ليس بثقة، ثم إنه على صورة المرسل، فإن شيخ ابن جريج لا نعلم من هو؟ ولا من أي طبقة هو؟ فإن ابن جريج قد روى عن جماعة من التابعين، وروى أيضاً عن جماعة من تابعي التابعين، فلعل شيخه هنا من تابعي التابعين؛ فلم يدرك معاوية جزماً، أو من التابعين الذين لم يدركوا معاوية، فيصير منقطعاً أيضاً، وهذا هو الأقرب: أنه منقطع؛ لأن هذا المبهم لا يرويه رواية، وإنما يحكيه على صورة المرسل؛ فاجتمع فيه الإبهام، والانقطاع، والله أعلم.