للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الذي فيه ذكر النهي عنها ليس فيه ذكر سماع أبي شيخ من معاوية، «وقد صح في بعضه أن أبا شيخ لم يأخذه إلا عن مجهول، فسقط الاحتجاج به».

قلت: قد ثبت السماع في رواية همام عند أحمد وعبد بن حميد وفيها موضع الشاهد، كما جاء السماع أيضاً في بعض طرق حديث ابن أبي عروبة عن قتادة؛ ففي حديث عفان بن مسلم، وأبي الوليد الطيالسي عن همام، عن قتادة عند أحمد (٤/ ٩٢)، وعبد بن حميد عن أبي شيخ الهنائي، قال: كنت في ملأ من أصحاب رسول الله عند معاوية، فقال معاوية: … فذكر الحديث بطوله وفي آخره قال: أنشدكم الله! أتعلمون أن رسول الله نهى عن جمع بين حج وعمرة؟ قالوا: أما هذا فلا، قال: أما إنها معهن.

وثبوت السماع هنا ليس هو الذي يرفع الإشكال؛ فإن قتادة لا يُعرف له سماع من أبي شيخ هذا، هذا من وجه، ومن وجه آخر: فإن جهابذة النقاد رجحوا رواية يحيى بن أبي كثير بزيادة رجل في الإسناد، مما يدل على عدم اعتدادهم برواية قتادة وبيهس ومطر في إثبات السماع، والله أعلم.

وقد سلك القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة (٢/ ٢٦٦)، مسلك الفقهاء في قبول حديث أبي شيخ هذا عن معاوية، واحتج به على أن الإفراد أفضل، وقال بعد كلام طويل: «ويدل على ذلك أيضاً: أن الإفراد هو الأصل، والجمع رخصة وتخفيف؛ لأن الأصل: إفراد كل عبادة على وجهها من غير خلطها بغيرها، والإتيان بالعزيمة أولى من الرخصة»؛ فيقال: ثبت العرش ثم انقش.

قلت: وكلام أحمد في مسائله يدل على رده لحديث أبي شيخ هذا عن معاوية، ومما قاله أحمد مما يستدل به على غيره ما قاله في مسائل ابنه صالح:

قال صالح بن أحمد في مسائله لأبيه (٥٦٥): «قلت: الحج، أي ذلك أحب إليك، الإفراد أم القرآن؟»

قال: روي عن النبي أنه أفرد، وروي عنه أنه قرن، وروي عنه أنه خرج من المدينة ينتظر القضاء، ولم يذكر لا حجّاً ولا عمرة، فلما قدم مكة أمر أصحابه أن يحلوا، وقال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدى ولحللت كما تحلون»، وهذا بعد أن قدم مكة، وهو آخر الأمرين منه، وقال هذا القول وهو بمكة: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدى، فالذي نختار المتعة؛ لأنه آخر ما أمر به النبي ، وهو يجمع الحج والعمرة جميعاً، ويعمل لكل واحد منهما على حدة» [وانظر: زاد المسافر ٢/ ٥٣٨/ ١٦٣٤ - ١٦٣٦]

وممن رد هذا الحديث بمصادمة إجماع الأمة على جواز القران؛ الخطابي، حيث قال في المعالم (٢/ ١٦٧): قلت: جواز القرآن بين الحج والعمرة إجماع من الأمة، ولا يجوز أن يتفقوا على جواز شيء منهي عنه ولم يوافق الصحابة معاوية على هذه الرواية،

<<  <  ج: ص:  >  >>