والثالث: أنَّ الأئمة مثل أحمد وأبي حاتم لم يعتدوا برواية الأوزاعي المضطربة عن يحيى، وإنما اعتمدوا رواية حرب بن شداد عن يحيى، ورواية علي بن المبارك تدل على صحتها؛ إلا أنه قال: عن يحيى: حدثني أبو شيخ الهنائي، عن أبي حِمَّان، والأمر فيه قريب، حيث تحرفت:«عن أخي حمان»، إلى:«عن أبي حمان»، ورسم الخاء والباء في وسط الكلمة يسهل تحريفه.
كذلك فإن تصرف البخاري في التواريخ يدل على ذلك أيضاً؛ أعنى اعتماد رواية حرب بن شداد عن يحيى، وأنه قد اطرح ما سوى ذلك، وجعله كالعدم؛ إلا أن النسائي هو الذي أبرز هذا الاختلاف على يحيى، من قبل الأوزاعي، فظن الناس أن يحيى قد اضطرب فيه، وإنما الاضطراب فيه من الأوزاعي، فضلاً عن كثرة التصحيف والتحريف الذي وقع من النساخ والنقلة لكلمة «حمان»، فحرفت وصحفت إلى: جمان، وجماز، وغير ذلك مما تقدم ذكره، وعندئذ فيُطرح هذا الاضطراب، ويقتصر على رواية من ضبط الإسناد عن يحيى، وهو حرب بن شداد، وقد تابعه علي بن المبارك؛ إلا أنه وقع له تحريف يسير، يغتفر في مثل ذلك، لكن لأجل جلالة النسائي وعلو كعبه في علم العلل وذكر الاختلاف، تبعه الناس على ذلك، لاسيما الدارقطني.
قال البخاري في التاريخ الكبير (٣/ ٥٢٤ - ط الناشر المتميز)(٣/ ١٢٩): «حمان الهنائي: شيخ، بصري، روى عنه: أبو شيخ.
قال علي بن نصر: حيوان أبو شيخ، عن أخيه حِمَّان، يقوله أصحاب الحديث، وأما أصحابنا لا يعرفون إلا جُمَّان، وله بنو أخ هاهنا، ونحن لا نعرفه إلا جُمَّان.
وقال يحيى بن كثير بن درهم، عن علي بن مبارك: جُمان، بالتخفيف».
ثم قال:«حيوان بن خالد، أبو شيخ الهنائي، البصري نسبه علي، يروي عن أخيه.
روى عنه: قتادة، ويحيى بن أبي كثير، قال: أتانا كتاب عمر، ونحن مع عثمان بن أبي العاص، أميراً علينا».
وقال في التاريخ الأوسط (١/ ١٢١): «اسم أبي شيخ الهنائي: حيوان بن خالد البصري، نسبه علي، يروي عن أخيه حمان، روى عنه قتادة. وقال يحيى بن أبي كثير: عن أبي شيخ قال: أتانا كتاب عمر، ونحن مع عثمان بن أبي العاص أميراً علينا». [وكلام أبي حاتم في الجرح والتعديل (٣/ ٤٠١) لم يأت بجديد يعتمد عليه في الترجيح، والله أعلم].
قلت: ويستفاد من كلام علي بن نصر، ومن تصرف البخاري: أن الصواب قول من قال: «عن أبي شيخ، عن حمان»، وأن علي بن المبارك قد رواه عن يحيى، فقال فيه: جمان، بدون أداة الكنية، مما يدل على صحة ما ذهبت إليه من وقوع التحريف في الأسانيد، وأصبحت رواية علي بن المبارك متابعة لرواية حرب بن شداد عن يحيى، والله أعلم.