للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

اختيار واستحباب، ليس على الإلزام والإيجاب؛ لأن الإهلال إنما يجب على من يتصل به عمله في الحج، لا على غيره؛ لأنه ليس من السنة أن يقيم المحرم في أهله.

والأصل في هذا: حديث مالك، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبيد بن جريج؛ أنه قال لعبد الله بن عمر: رأيتك تفعل أربعة لم أر أحداً من أصحابك يفعلها، فذكر منها: ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال، ولم تهل أنت إلى يوم التروية، فأجابه ابن عمر أنه: لم ير رسول الله أهل إلا حين انبعثت به راحلته.

يريد ابن عمر أنه أهل من ميقاته في حين ابتدائه عمل حجته.

وفي حديث عبيد بن جريج هذا على أن الاختلاف في هذه المسألة قديم بين السلف، وأن ابن عمر لم ير أحداً حجةً على السنة، ولا التفت إلى عمل من عمل عنده بغيرها، وإن كان أبوه كان يأمر أهل مكة بخلاف ذلك.

وقد تابع ابن عمر في هذه المسألة جماعة، منهم: ابن عباس وغيره … .»، ثم ذكر ابن عبد البر نفس الآثار السابق ذكرها في النقل السابق.

وقال أيضاً في الاستذكار (٤/ ٧٨): «وأما قول مالك في هذا الباب أن المكي لا يخرج من مكة للإهلال، ولا يهل إلا من جوف مكة، فهذا أمر مجتمع عليه لا خلاف فيه، وليس كالمعتمر عند الجميع؛ لأن الشأن في الحاج والمعتمر أن يجمع بين الحل والحرم، فأمروا المعتمر المكي أو من كان بمكة أن يخرج إلى الحل؛ لأن عمرته تنقضي بطوافه بالبيت وسعيه بين الصفا والمروة، والحاج لا بد له من عرفة وهي حل، فيحصل بذلك له الجمع بين الحل والحرم، ولذلك لم يكن الخروج إلى الحل ليهل منه بخلاف المعتمر.

وأما قول مالك في هذا الباب من أهل من مكة بالحج فليؤخر الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى، قال: وكذلك صنع عبد الله بن عمر، وفعله أصحاب رسول الله الذين أهلوا بمكة لم يطوفوا ولم يسعوا حتى رجعوا بمكة.

فإن ما ذكره عن أصحاب رسول الله وعن ابن عمر أيضاً: فالآثار به متواترة محفوظة صحاح، وأهل العلم كلهم قائمون به، لا يرون على المكي طوافاً إلا الطواف المفترض، وهو طواف الإفاضة عند أهل الحجاز، ويسميه أهل العراق: الطواف.

وأما الطواف الأول: وهو طواف الدخول؛ فساقط عن المكي، وساقط عن المراهق الذي يخاف فوت الوقوف قبل الفجر من ليلة النحر، … » ..

وقال ابن حزم في الإحكام (٤/ ١٨٨) في التعليق على حديث عبيد بن جريج عن ابن عمر، ومخالفته لعامة الصحابة، في قول ابن جريج له: رأيتك تصنع أربعاً لم أر أحداً من أصحابك يصنعها، قال ابن حزم: «فهذا ابن عمر بأصح إسناد إليه: لم ينكر مخالفته لجميع أصحابه؛ فيما اقتدى فيه برسول الله ، ولا أنكر على ابن جريج إخباره بأن أصحابه يخالفونه، فصح أنه لم ير أصحابه كلهم قدوة فيما وافق وحدانية رسول الله ، وهذا هو الحق الذي لا يسع أحداً القصد إلى خلافه».

<<  <  ج: ص:  >  >>