وقال النووي في شرح مسلم (٨/ ٩٦) في شرح حديث عبيد بن جريج عن ابن عمر: «وأما فقه المسألة: فقال المازري: أجابه ابن عمر بضرب من القياس؛ حيث لم يتمكن من الاستدلال بنفس فعل رسول الله ﷺ على المسألة بعينها، فاستدل بما في معناه، ووجه قياسه أن النبي ﷺ إنما أحرم عند الشروع في أفعال الحج والذهاب إليه، فأخر ابن عمر الإحرام إلى حال شروعه في الحج وتوجهه إليه، وهو يوم التروية، فإنهم حينئذ يخرجون من مكة إلى منى، ووافق ابن عمر على هذا: الشافعي وأصحابه، وبعض أصحاب مالك، وغيرهم. وقال آخرون: الأفضل أن يحرم من أول ذي الحجة، ونقله القاضي عن أكثر الصحابة والعلماء، والخلاف في الاستحباب، وكل منهما جائز بالإجماع، والله أعلم».
• وقال ابن كثير في البداية والنهاية (٧/ ٤٣٤): « … وروى مسلم، عن قتيبة، عن حاتم بن إسماعيل، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه، قال: بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله ﷺ فيها، والله ما أهل رسول الله ﷺ إلا من عند المسجد حين قام به بعيره.
وهذا الحديث يجمع بين رواية ابن عمر الأولى وهذه الروايات عنه، وهو أن الإحرام كان من عند المسجد، ولكن بعدما ركب راحلته واستوت به على البيداء، يعني: الأرض، وذلك قبل أن يصل إلى المكان المعروف بالبيداء.
ثم قال البخاري في موضع آخر: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي: ثنا فضيل بن سليمان: ثنا موسى بن عقبة: حدثني كريب، عن عبد الله بن عباس ﵄، قال: انطلق النبي ﷺ من المدينة بعدما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه، هو وأصحابه، فلم ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس إلا المزعفرة التي تردع على الجلد، فأصبح بذي الحليفة ركب راحلته حتى استوى على البيداء أهل هو وأصحابه، وقلد بدنه، … » فذكر الحديث
بطوله، ثم قال:«انفرد به البخاري».
ثم ذكر حديث ابن عباس، قال: صلى رسول الله ﷺ الظهر بذي الحليفة، ثم دعا ببدنته فأشعر صفحة سنامها الأيمن، وسلت الدم عنها، وقلدها نعلين، ثم دعا براحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج. رواه مسلم في صحيحه وأهل السنن في كتبهم.
ثم قال: «فهذه الطرق عن ابن عباس من أنه ﵊ أهل حين استوت به راحلته أصح وأثبت من رواية خصيف الجزري عن سعيد بن جبير عنه. والله أعلم.
وهكذا الرواية المثبتة المفسرة أنه: أهل حين استوت به الراحلة مقدمة على الأخرى، لاحتمال أنه أحرم من عند المسجد حين استوت به راحلته، ويكون رواية ركوبه الراحلة فيها زيادة علم على الأخرى، والله أعلم.
ورواية أنس في ذلك سالمة عن المعارض، وهكذا رواية جابر بن عبد الله في صحيح مسلم من طريق جعفر الصادق، عن أبيه محمد بن علي بن الحسين، عن جابر - في حديثه الطويل الذي سيأتي -: أن رسول الله ﷺ أهل حين استوت به راحلته. سالمة عن المعارض، والله أعلم.