للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقوله: يزدلفن: معناه يقتربن، من قولك: زلف الشيء إذا قرب، ومنه قوله تعالى ﴿وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ﴾ [الشعراء: ٦٤]، ومعناه - والله أعلم - القرب والدنو من الهلاك، وإنما سميت المزدلفة لاقتراب الناس إلى منى بعد الإفاضة من عرفات.

وقوله: وجبت جنوبها، معناه: زهقت أنفسها، فسقطت على جنوبها، وأصل الوجوب السقوط.

وفي قوله: «من شاء اقتطع؛ دليل على جواز هبة المشاع، وفيه دلالة على جواز أخذ النثار في عقد الإملاك، وأنه ليس من باب النهبى، وإنما هو من باب الإباحة، وقد كره ذلك بعض العلماء خوفا أن يدخل فيما نهى عنه من النهبة».

وقال البيهقي في المعرفة (١٠/٢٧): «أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس، قال: أخبرنا الربيع، قال: قال الشافعي : وإذا نثر على الناس في الفرح فأخذه بعض من حضره لم يكن هذا مما يجرح به شهادة أحد؛ لأن كثيرا يزعم أن هذا مباح حلال؛ لأن مالكه إنما طرحه لمن أخذه، فأما أنا فأكرهه لمن أخذه من قبل أن يأخذه من أخذه ولا يأخذه إلا بغلبة لمن حضره، إما بفضل قوة وإما بفضل قلة حياء، والمالك لم يقصد به قصده وإنما قصد به الجماعة، فأكرهه لآخذه؛ لأنه لا يعرف حظه من حظ من قصد به بلا إذن وأنه خفة وسخف.

قال أحمد: وقد قال في رواية المزني: ولا يبين أنه حرام، وذلك إذا أذن أهله في أخذه.

فأما الكراهة فهي لما ذكره الشافعي ، وكان أبو مسعود الأنصاري يكرهه، وكرهه عطاء، وعكرمة، وإبراهيم، وقول من زعم أنهم إنما كرهوه خوفا على الصبيان من النهبة، فهو معنى آخر من معاني الكراهة، وليس هذا كما روي في حديث عبد الله بن قرظ، عن النبي أنه قال في البدن التي نحرها: «من شاء اقتطع»، لأنها صارت ملكا للمساكين فخلى بينهم وبين أملاكهم، وهاهنا بالإذن لا يزول ملكه حتى يؤخذ، وربما يأخذ من غيره أحب إلى صاحبه».

وقال القاضي أبو يعلى الفراء في المسائل الفقهية (٢/ ١٣٥): «مسألة: في النثار هل التقاطه مكروه أم لا؟»

فنقل بكر بن حمد، عن أبيه، عن أحمد؛ أنه سأله عن النثار؟ فرخص فيه، واحتج بحديث عبد الله بن قرظ: من شاء التقط، فقال له: نهى النبي عن النهبة، فقال: إنما نهى لأنه لم يؤذن لهم، وهذا قد أذن فيه، ونقل أبو داود والمروذي: لا يعجبني لأنه نهبة.

وجه الأولى: وهي اختيار أبي بكر، ما احتج به أحمد من حديث عبد الله بن قرظ: أن النبي قدم إليه ست بدنات أو سبع فجعلن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت، قال: «من شاء اقتطع»، والنثار من هذا المنع [لعله أراد: النوع] فدل على جوازه.

ووجه الثانية: وهي اختيار الخرقي ؛ أن النثار يؤخذ نهبة، ففيه سخف ودناءة،

<<  <  ج: ص:  >  >>