أما قوله: يزدلفن إليه؛ فإنه من التقدم، وقال الله ﷿: ﴿وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ﴾.
وفي هذا الحديث من الفقه: أنه رخص في النهبة إذا كانت بإذن صاحبها وطيب نفسه؛ ألا تسمع إلى قوله: «من شاء فليقتطع»، ففي هذا ما يبين لك أنه لا بأس بنهبة السكر في الأعراس، وقد كرهه عدة من الفقهاء، وفي هذا رخصة بينة».
وقال محمد بن الحسن في السير الكبير (٢/ ٢٥٥ - الشرح للسرخسي): «فالملك إنما يثبت عند الأخذ، وعند ذلك الأخذ متعين معلوم، وكان الملك بهذا اللفظ أباح أخذه على وجه الهبة منه، وهذه الإباحة تثبت مع الجهالة.
أصله: ما رواه عبد الله بن قرط الثمالي؛ أن النبي ﷺ، قال: «أفضل الأيام يوم النحر، ثم يوم القر»، - يعني: الثاني من أيام النحر، لأن الحاج يقرون فيه بمنى … .»، فذكر الحديث إلى قوله: «من شاء اقتطع، ثم قال: فهذه إباحة الأخذ على وجه التمليك والانتفاع بالمأخوذ، أوجبها رسول الله ﷺ مع الجهالة.
فما يكون من هذا الجنس يتعدى إليه حكم هذا النص.
يقرره أن مجرد الإلقاء بغير كلام يفيد هذا الحكم.
فإن الإنسان ينثر السكر والدراهم في العرس وغيره، وكل من أخذ شيئاً من ذلك يصير مملوكاً له، ويجوز له أن ينتفع به من غير أن يتكلم الناثر بشيء».
وقال ابن المنذر في الإشراف (٤/ ٢٨٨): «قال الشافعي: وإذا نثر على الناس في الفرح، فأخذه بعض من حضره، لم يكن هذا مما يجرح له شهادة آخذه، وأنا أكره لمن أخذه.
قال أبو بكر [ابن المنذر]: لا يكره أخذه، لأنه أخَذَ ما أبيح له؛ استدلالاً بحديث عبد الله بن قرط؛ … »، فذكره ثم قال: فكلما نثر، أو أبيح في الملاك وغيره، فأخذه مباح، استدلالاً بأن النبي ﷺ قال لهم: إن «من شاء اقتطع». اهـ.
وقال الطحاوي في شرح المعاني (٣/٥٠): «هذا الحديث: «من شاء اقتطع»، وأباح ذلك، دل هذا أن ما أباحه ربُّه للناس من طعام أو غيره؛ فلهم أن يأخذوا من ذلك، وهذا خلاف النهبة التي نهى عنها».
وقال الطحاوي في شرح المشكل (٣/ ٣٦١) بعد أن ساق هذا الحديث مع حديث ناجية الخزاعي: «فكان في هذين الحديثين؛ إباحة رسول الله ﷺ للناس الذين يحل لهم ذلك الهدي؛ أخذ ما يجوز لهم أخذه من ذلك الهدي، بغير قصد منه إلى ناس بأعيانهم، وبغير قصد منه إلى مقدار من الهدي لمن يأخذه منهم، فعقلنا بذلك أن النهبة التي نهى عنها في الآثار الأول، ونفى من فعلها أن يكون منه هي خلاف هذه النهبة، وأنها نهبة ما لم يؤذن في نهبته، والله أعلم بمراد رسوله ﷺ كان في ذلك، وبالله التوفيق».
وقال الخطابي في المعالم (٢/ ١٥٧): «قلت: يوم القر هو اليوم الذي يلي يوم النحر، وإنما سمى يوم القر لأن الناس يقرون فيه بمنى، وذلك لأنهم قد فرغوا من طواف الإفاضة والنحر فاستراحوا وقروا.