قال أبو عبد الله البرقي: يقال: إنما روى مالك عن ثور بن زيد، عن ابن عباس ﵄، إنما هو عن ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس ﵄، وإنما ترك مالك عكرمة مولى ابن عباس لم يذكره لأنه كان لا يرضاه، وذكر كلاما، ثم قال:«والصحيح عن مالك أنه كان لا يرضى عكرمة». [وانظر أيضا: الإيماء إلى أطراف الموطأ لأبي العباس الداني (٢/ ٥٥٨)].
فيقال: نعم؛ أرسله مالك، ولا يقال: دلسه، فمالك أرفع قدرا وديانة من أن ينسب إلى التدليس، وأما الدافع لإرساله عند مالك، فشيء لا يعلم حقيقته إلا الله، وطالما علمنا الواسطة، وأنه ثقة فلا يقدح ذلك في صحة الرواية، وإدخال مالك لهذا الأثر في موطئه تصحيح له واحتجاج به، وهو كذلك.
فهو موقوف على ابن عباس بإسناد صحيح، ولا يضره الإرسال؛ لأن عبد الكريم بن مالك الجزري [وهو: ثقة ثبت متقن]، قد رواه عن عكرمة عن ابن عباس؛ قوله موقوفا عليه [أخرجه سعيد بن منصور، والطحاوي، وابن حزم، وتقدم ذكره قبل هذا].
ومالك وإن كان يرسل ما يرويه ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس، ويسقط عكرمة من الإسناد، فليس معناه أنه لم يدخل عكرمة في الموطأ، بل أدخله وصرح باسمه في موضع، بل واحتج بروايته، وقدمها على رواية عطاء بن أبي رباح في المناسك، فقد أخرج في موطئه (١١٣٦)، عن أبي الزبير، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن عباس؛ أنه سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنى قبل أن يفيض؟ فأمره أن ينحر بدنة.
ثم أتبعه (١١٣٧) بما رواه عن ثور بن زيد الديلي، عن عكرمة مولى ابن عباس، قال: لا أظنه إلا عن عبد الله بن عباس؛ أنه قال: الذي يصيب أهله قبل أن يفيض يعتمر ويهدي.
ثم أتبعه بقول ربيعة الرأي مثله، ثم قال مالك:«وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك».
قال ابن عبد البر في التمهيد (٢/٢٦) تعليقا على حديث: مالك، عن ثور بن زيد الديلي، عن عبد الله بن عباس؛ أن رسول الله ﷺ ذكر رمضان، فقال:«لا تصوموا حتى تروا الهلال، … » الحديث، قال:«هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة الرواة، عن مالك، عن ثور بن زيد، عن ابن عباس ﵄، ليس فيه ذكر عكرمة، والحديث محفوظ لعكرمة عن ابن عباس، وإنما رواه ثور عن عكرمة، وقد روي عن روح بن عبادة هذا الحديث، عن مالك عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس؛ أن رسول الله ﷺ ذكر رمضان، ثم ساقه إلى آخره سواء، وليس في الموطأ في هذا الإسناد عكرمة، وزعموا أن مالكا أسقط ذكر عكرمة منه؛ لأنه كره أن يكون في كتابه، لكلام سعيد بن المسيب وغيره فيه، ولا أدري صحة هذا؛ لأن مالكا قد ذكره في كتاب الحج، وصرح باسمه، ومال إلى روايته عن ابن عباس، وترك رواية عطاء في تلك المسألة، وعطاء أجل التابعين في علم المناسك والثقة والأمانة»، ثم ذكر أثر ابن عباس في الفدية، ثم قال ابن عبد البر: «عكرمة مولى