شيئا، فمن أكل منهم منه أدى إلى المساكين لحما مثل ما أكل فقط، الغنم، والبقر، والإبل في كل ذلك سواء.
فإن بلغ محله ففرض عليه أن يأكل منه ولا بد، ويتصدق منه ولا بد، وهكذا روينا عن طائفة من السلف … ، ثم احتج بحديث أبي داود، ثم قال: «فهذا عموم لكل هدي».
وقال أيضا (٥/ ٣١١): «قال أبو حنيفة: له أن يتصدق بها، وهذا خلاف أمر رسول الله ﷺ؛ لأنه إذا تولى توزيعها؛ فلم يخل بين الناس وبينها. وقال مالك: إن أكل منها شيئا ضمن الهدي كله.
وهذا خطأ؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَجَزَاؤُا سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠]، ومن الباطل المحال أن يأكل لقمة فيغرم عنها ناقة من أصلها، وهذا عدوان لا شك فيه.
وقال أبو حنيفة، والشافعي، وأبو سليمان: لا يغرم إلا مثل ما أكل.
وهذا مما يتناقض فيه أبو حنيفة، ومالك، فأخذا فيه برواية ابن عباس، وتركا رأيه الذي خالف فيه ما روى، وبالله تعالى التوفيق».
وقال أيضا (٥/ ٣١١): «فإن كان الهدي عن واجب - وهي ستة أهداء فقط لا سابع لها -: إما جزاء صيد، وإما هدي المتمتع، وإما هدي الإحصار، وإما نسك فدية الأذى، وإما هدي من نذر مشيا إلى الكعبة فركب، وإما نذر هدي.
وهذا الهدي ينقسم قسمين: قسم بغير عينه، وقسم منذور بعينه، فإن عطب الواجب قبل بلوغه محله فعل به صاحبه ما شاء من بيع أو أكل أو هدية أو صدقة، ويهدي ما وجب عليه ولا بد، حاشا المنذور بعينه فإنه ينحره ويتركه ولا يبدله؛ لأنه إنما عليه في كل ما ذكرنا هدي واجب في ماله وذمته، فعليه أن يأتي به أبدا، وما لم يؤده عما عليه فهو مال من ماله يفعل فيه ما شاء عطب أو لم يعطب.
وأما المنذور بعينه فهو خارج عن ماله لا حق له فيه، وليس عليه أن يبدله، إلا أن يتعدى عليه فيهلكه فيضمنه بالوجه الذي نذره له؛ لأنه اعتدى على حق غيره فعليه مثله، وأما من منع من تحكم المرء في هديه ما لم يبلغه محله فمبطل بلا دليل، وإنما خرج من ذلك التطوع يعطب قبل محله بالنص الذي أوردنا.
والتطوع ثلاثة أهداء لا رابع لها: من ساق هديا في قران، أو في عمرة وهو لا يريد أن يحج من عامه، أو أهدى وهو لا يريد حجا ولا عمرة».
وقال ابن عبد البر في التمهيد (٢٢/ ٢٦٧): «وعليه العمل عند الفقهاء»، ومن جهة النظر: أهل رفقته وغيرهم في ذلك سواء، ويدخل في قوله ﵇: «وخل بين الناس وبينه يأكلونه»، أهل رفقته وغيرهم، وإنما الضمان على من أكل من هديه التطوع، وإن لم يكن موجودا في الحديث المسند؛ فإن ذلك عن الصحابة والتابعين، وعليه جماعة فقهاء الأمصار.