قلت لابن القاسم: أي هدي عند مالك ليس بمضمون؟ قال: التطوع وحده. قلت: فصف لنا التطوع في قول مالك؟ قال: كل هدي ساقه الرجل ليس لشيء وجب عليه، من جزاء أو فدية أو فساد حج أو فوات حج أو شيء تركه من أمر الحج أو تلذذ به من أهله في الحج، أو في غير ذلك، أو لمتعة أو لقران، ولكنه ساقه لغير شيء وجب عليه أو يجب عليه في المستقبل؛ وهذا تطوع.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (٢٢/ ٢٦٥)(١٤/ ٢٦٦ - ط الفرقان): «وأما قوله: كيف أصنع بما عطب من الهدي؟ فجاوبه رسول الله ﷺ» بما ذكر في حديث هشام هذا، فإن هذا محمله عند العلماء على الهدي التطوع، وكذلك كان هدي رسول الله ﷺ تطوعا؛ لأنه كان في حجته مفردا، والله أعلم … . والهدي التطوع لا يجوز لأحد ساقه أكل شيء منه إذا عطب قبل أن يبلغ محله، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى أكل الهدي قبل محله، من أجل أنه تطوع فينصرف من الناس من لم تصح نيته فيما أخرجوه لله، ويعتلون بأنه عطب.
ذكر أبو ثابت وأسد وسحنون وابن أبي الغمر، عن ابن القاسم، قلت لابن القاسم: أرأيت هدي التطوع إذا عطب كيف يصنع به صاحبه في قول مالك؟ قال: قال مالك: يرمي بقلائده في دمه إذا نحره ويخلي بين الناس وبينه، ولا يأمر أحدا أن يأكل منه فقيرا ولا غنيا، فإن أكل هو أو أمر أحدا من الناس بأكله أو حز شيئا من لحمه، كان عليه البدل. قال ابن القاسم: وقال مالك: كل هدي إذا عطب فليأكل منه صاحبه وليطعم منه الأغنياء والفقراء ومن أحب، ولا يبيع من لحمه ولا من جلده ولا من قلائده شيئا.
قال مالك: ومن الهدي المضمون ما إن عطب قبل أن يبلغ محله جاز له أن يأكل منه، وهو إن بلغ محله لم يأكل منه، وهو جزاء الصيد وفدية الأذى ونذر المساكين، فهذا إن عطب قبل محله جاز له أن يأكل منه؛ لأن عليه بدله، وإذا بلغ محله أجزأه عن الذي ساقه، ولا يجزيه أن يأكل منه.
قال إسماعيل بن إسحاق: لأن الهدي المضمون إذا عطب قبل أن يبلغ محله كان عليه بدله، وبذلك جاز له أن يأكل منه ويطعم؛ لأنه لما لم يكن عليه بدله خيف أن يفعل ذلك بالهدي وينحر من غير أن يعطب، فاحتيط على الناس، وبذلك مضى العمل في هدي التطوع إذا عطب في الطريق؛ نحره صاحبه وخلى بينه وبين الناس.
وذكر إسماعيل بن إسحاق حديث هشام هذا عن أبيه عن ناجية، وحديث ابن عباس عن ذؤيب الخزاعي [وانظر ما قاله القرطبي في التفسير (١٤/ ٣٧١ - ط الرسالة)، وقد صححت منه بعض الألفاظ في المنقول عن إسماعيل بن إسحاق القاضي] [وانظر أيضا: النوادر والزيادات (٢/ ٤٥١)].
وقال الشافعي في الأم (٣/ ٥٦٥): والهدي هديان: هدي أصله تطوع؛ فذلك إذا ساقه فعطب، فأدرك ذكاته فنحره؛ أحببت له أن يغمس قلادته في دمه، ثم يضرب بها