للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقال ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود (٢/ ٢٦١ - ٢٦٣ - ط عطاءات العلم): قال الشافعي: وفي هذا دلالة على ما وصفت، وعلى أن المرء لا يحرم بالبعثة بهديه؛ يقول: البعثة بالهدي أكبر من إرادة الأضحية.

ومنهم من رد هذا الحديث بخلافه للقياس، لأنه لا يحرم عليه الوطء واللباس والطيب، فلا يحرم عليه حلق الشعر وتقليم الظفر.

وأسعد الناس بهذا الحديث من قال بظاهره لصحته وعدم ما يعارضه، وأما حديث عائشة: فهو إنما يدل على أن من بعث بهديه وأقام في أهله فإنه يقيم حلالا، ولا يكون محرما بإرسال الهدي ردا على من قال: يكون بذلك محرما من السلف، ولهذا روت عائشة لما حكي لها هذا.

وحديث أم سلمة: يدل على أن من أراد أن يضحي أمسك في العشر عن شعره وظفره خاصة، فأي منافاة بينهما؟ ولهذا أحمد وغيره يعمل بكلا الحديثين: هذا في موضعه، وهذا في موضعه. وقد سأل الإمام أحمد أو غيره عبد الرحمن بن مهدي عن هذين الحديثين؟ فقال: هذا له وجه، وهذا له وجه.

ولو قدر بطريق الفرض تعارضهما لكان حديث أم سلمة خاصا، وحديث عائشة عاما، ويجب تنزيل العام على ما عدا مدلول الخاص توفيقا بين الأدلة، ويجب حمل حديث عائشة على ما عدا ما دل عليه حديث أم سلمة؛ أن النبي لم يكن ليفعل ما نهى عنه، وإن كان مكروها.

وأيضا: فعائشة إنما تعلم ظاهرا ما يباشرها به، أو يفعله ظاهرا من اللباس والطيب. وأما ما يفعله نادرا، كقص الشعر وتقليم الظفر، مما لا يفعل في الأيام العديدة إلا مرة، فهي لم تخبر بوقوعه في عشر ذي الحجة منه ، وإنما قالت: «لم يحرم عليه شيء»، وهذا غايته أن يكون شهادة على نفي، فلا يعارض حديث أم سلمة، والظاهر أنها لم ترد ذلك بحديثها، وما كان كذلك فاحتمال تخصيصه قريب فيكفي فيه أدنى دليل، وخبر أم سلمة صريح في النهي، فلا يجوز تعطيله.

وأيضا: فأم سلمة تخبر عن قوله وشرعه لأمته، فيجب امتثاله. وعائشة تخبر عن نفي مستند إلى رؤيتها، وهي إنما رأت أنه لا يصير بذلك محرما يحرم عليه ما يحرم على المحرم، ولم تخبر عن قوله: إنه لا يحرم على أحدكم بذلك شيء، وهذا لا يعارض صريح لفظه.

وأما رد الحديث بالقياس «فلو لم يكن فيه إلا أنه قياس فاسد مصادم للنص لكفى ذلك في رد القياس، ومعلوم أن رد القياس بصريح السنة أولى من رد السنة بالقياس، وبالله التوفيق».

وقال ابن حجر في فتح الباري (٣/ ٥٤٥): قوله: باب من قلد القلائد بيده: أي الهدايا، وله حالان: إما أن يسوق الهدي ويقصد النسك، فإنما يقلدها ويشعرها عند

<<  <  ج: ص:  >  >>