وكذلك العمرة لا يحل منها أبداً إلا بالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، والحلق الذي يكون منه بعد ذلك.
فكانت هذه أحكام الإحرام المتفق عليه، لا يخرجه منه مرور مدة، وإنما يخرجه منه الأفعال.
وكان من أحرم بعمرة، وساق الهدي وهو يريد التمتع، فطاف لعمرته وسعى، لم يحل حتى يفرغ من حجه وينحر الهدي.
فكانت هذه حرمة زائدة بسبب الهدي، لأنه لولا الهدي لكان إذا طاف لعمرته وسعى، حلق وحل له، فإنما منعه من ذلك الهدي الذي ساقه، ثم كان إحلاله من تلك الحرمة أيضاً إنما يكون بفعل يفعله، لا بمرور وقت.
فكان هذا الإحرام المتفق عليه لا يخرج منه بمرور الأوقات ولا بأفعال غيره، ولكن بأفعال يفعلها هو.
وكان من بعث بهدي، وأقام في أهله، وأمر أن يقلد ويشعر، فوجب عليه بذلك التجريد، في قول من يوجب ذلك، يحل من تلك الحرمة، لا بفعل يفعله، ولكن في وقت ما يحل الناس.
فخالف ذلك الإحرام المتفق عليه، فلم يجب ثبوته كذلك، لأنه إنما يثبت الأشياء المختلف فيها إذا أشبهت الأشياء المجتمع عليها.
فإذا كانت غير مشبهة لها، لم يثبت إلا أن يكون معها التوقيت الذي يقوم به الحجة، فيجب القول بها لذلك.
فإذا وجب ذلك، انتفى الاختلاف فثبت بما ذكرنا، صحة قول من ذهب إلى حديث عائشة ﵂، وفساد قول من خالف ذلك إلى حديث جابر بن عبد الله.
وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، رحمهم الله تعالى.
وقال الماوردي في الحاوي (١٥/ ٧٤): ورواه الترمذي، قال أحمد بن الحكم البصري: حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن مالك بن أنس، عن عمرو بن مسلم، عن ابن المسيب، عن أم سلمة، عن النبي ﷺ، أنه قال: «من رأى هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره». قال: هو حديث حسن.
واختلف الفقهاء في العمل بهذا الحديث على ثلاثة مذاهب:
أحدها: - وهو مذهب الشافعي - أنه محمول على الاستحباب دون الإيجاب، وأن من السنة لمن أراد أن يضحي أن يمتنع في عشر ذي الحجة من أخذ شعره وبشره، فإن أخذ كره له ولم يحرم عليه. وهو قول سعيد بن المسيب.
والمذهب الثاني: هو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه أنه محمول على
الوجوب وأخذه لشعره وبشره حرام عليه، لظاهر الحديث وتشبيهاً بالمحرم. والمذهب الثالث: - وهو قول أبي حنيفة ومالك - ليس بسنة ولا يكره أخذ شعره