للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقال مالك، والشافعي، وأبو ثور: «لا يكون الرجل بالتقليد محرما حتى يحرم. وبهذا نقول، لأن النبي قلد الهدي، ولم يحرم».

وقال في الأوسط (٦/ ٣٢٤): «ومن ذلك: أن السنة أن يشعر المرء بدنته قبل الإحرام، لأن في حديثهما [يعني: حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم]: أن النبي قلد الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة، فأعلم أنه أحرم بالعمرة بعد الإشعار والتقليد، وإذا كان ذلك كذلك فقد أغفل من قال: إن من قلد فقد أحرم، لأن في الحديث: أنه قلد الهدي وأشعر وأحرم، ففي ذلك دليل على أن إحرامه كان بعد التقليد والإشعار، إذ غير جائز أن يقال لمن قد لزمه الإحرام بالتقليد: أحرم بعد ذكر التقليد، لأن الإحرام لا يدخل على إحرام قبله إلا حيث دلت السنة من إدخال الحج على العمرة.

ومن ذلك السنة في تقليد الهدي، وقد فعل النبي ذلك في سنة تسع في العام الذي حج فيه أبو بكر، ذكرت عائشة: أنها فتلت قلائد هدي رسول الله ، ثم قلدها رسول الله بيده، ثم لم يحرم على رسول الله شيء كان أحله الله له، حتى نحر الهدي، وفعل ذلك في حجة الوداع، وكل ذلك يدل على أن المرء لا يكون بالتقليد محرما».

وقال الطحاوي في شرح المعاني (٢/ ٢٦٦): «فقد تواترت هذه الآثار، عن عائشة بما ذكرنا، بما لم يتواتر عن غيرها، بما يخالف ذلك».

فإن كان هذا يؤخذ من طريق صحة الأسانيد، فإن إسناد حديث عائشة هذا: إسناد صحيح، لا تنازع بين أهل العلم فيه.

وليس حديث جابر بن عبد الله كذلك، لأن من رواه دون من روى حديث عائشة. وإن كان ذلك يؤخذ من طريق ظهور الشيء، وتواتر الرواية به، فإن حديث عائشة أيضا أولى، لأن ذلك موجود فيه، ومعدوم في حديث جابر.

وإن كان ذلك يؤخذ من طريق النظر، فإنا قد رأينا الذين يذهبون إلى حديث جابر يقولون: إن الحرمة التي تجب على باعث الهدي بتقليده إياه وإشعاره، فيحل عنه إذا حل الناس بغير فعل يفعله هو، فيحل به. فأردنا أن ننظر في الإحرام المتفق عليه، هل هو كذلك أم لا؟.

فرأينا الرجل إذا أحرم بحج أو عمرة، فقد صار محرما إحراما متفقا عليه، ورأيناه غير خارج من ذلك الإحرام إلا بأفعال يفعلها، فيحل بها منه، ولا يحل بغيرها.

ألا ترى أنه إذا كان حاجا، فلم يقف بعرفة، حتى مضى وقتها، أن الحج قد فاته، ولا يحل إلا بفعل يفعله من الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير.

ولو وقف بعرفة، وفعل جميع ما يفعله الحاج، غير الطواف الواجب، لم يحل له النساء أبدا حتى يطوف الطواف الواجب.

<<  <  ج: ص:  >  >>