• بعض فوائد حديث عائشة في بعث الهدي إلى الحرم والإقامة بالمصر:
في موطأ مالك (١/ ٤٥٩/ ٩٦٩ - رواية يحيى الليثي)(٧٠٧ - رواية القعنبي)(١١٠١ - رواية أبي مصعب الزهري)(١٠٢٤ - رواية يحيى بن بكير): سئل مالك عما اختلف فيه الناس من الإحرام لتقليد الهدي، ممن لا يريد الحج ولا العمرة، فقال:«الأمر عندنا الذي نأخذ به في ذلك، قول عائشة أم المؤمنين: إن رسول الله ﷺ بعث بهديه ثم أقام، فلم يحرم عليه شيء مما أحله الله له، حتى نحر الهدي».
وقال محمد بن الحسن في الموطأ (٣٩٨): «وبهذا نأخذ، وإنما يحرم على الذي يتوجه مع هديه يريد مكة، وقد ساق بدنة وقلدها، فهذا يكون محرما حين يتوجه مع بدنته المقلدة بما أراد من حج أو عمرة، فأما إذا كان مقيما في أهله لم يكن محرما، ولم يحرم عليه شيء حل له، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى».
وقال الشافعي في اختلاف الحديث (١٥٨): «ونأمر من أراد أن يضحي أن لا يمس من شعره شيئا حتى يضحي اتباعا واختيارا، فإن قال قائل: ما دل على أنه اختيار لا واجب؟ قيل له: روى مالك بن أنس، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة،، عن عائشة ﵂، قالت: أنا فتلت قلائد هدي رسول الله بيدي، ثم قلدها رسول الله بيده، ثم بعث بها مع أبي، فلم يحرم على رسول الله شيء أحله الله له حتى نحر الهدي». قال الشافعي:«في هذا دلالة على ما وصفت من أن المرء لا يحرم بالبعثة بهديه، يقول: البعثة بالهدي أكبر من إرادة الضحية».
قلت: سيأتي بيان أن لا معارضة بين الحديثين حديث عائشة فيمن بعث بهديه إلى الحرم وأقام ببلده، فهذا لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم، وأما حديث أم سلمة فهو فيمن أراد أن يضحي فعليه أن يمسك عن شعره وأظفاره حين يدخل العشر إلى أن يضحي؛ فهذا له وجه، وهذا له وجه.
وقال عبد الله بن أحمد في مسائله لأبيه (٩١٠): «سألت أبي عن حديث ابن عمر وعطاء فيمن قلد وأشعر، فقد أحرم تذهب إليه؟ قال: نعم».
وقال إسحاق بن منصور في مسائله لأحمد وإسحاق (١٤٨٨): «قلت: من قال: من قلد هديه فقد أحرم؟ قال: قالت عائشة ﵂: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله ﷺ. وقال: من قلد هديه وهو يريد الحج فقد وجب عليه الإحرام. وحديث عائشة ﵂: أنه إن كان مقيما لا يحرم عليه شيء. قال إسحاق: كما قال».
وقال ابن المنذر في الإشراف (٣/ ١٨٨): واختلفوا في المرء يقلد هديه؛ فكان ابن عمر يقول: إذا قلد هديه فقد أحرم، وبه قال الشعبي، والنخعي. وقال عطاء: سمعنا ذلك.
وقال الثوري، وأحمد، وإسحاق: إذا قلد فقد وجب عليه، وبه قال أصحاب الرأي. وفيه قول ثان: وهو أن لا يحرم إلا من أهل أو لبى، هذا قول عائشة أم المؤمنين.