للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قلت: ليس معنا دليل على كون ابن عباس وابن عمر عملا بحديث جابر هذا، فهو حديث منكر مضطرب، لا يثبت عن جابر، ومثل هذا كالعدم، فكيف يكون العدم مستندا لعمل بعض الصحابة؛ إلا أن يكون له أصل غير مجرد اجتهاد الصحابي، ولا دليل على ذلك؛ فإنه لا يثبت في الباب مرفوعا سوى حديث عائشة، وقد اشتهر عنها من طرق كثيرة، بل إن الزهري حكى الإجماع على أخذ الناس بحديث عائشة، وترك قول ابن عباس؛ مما يدل على أنه لا مستند له في ذلك سوى الاجتهاد؛ بل قد حلف عبد الله بن الزبير لما بلغه فعل ابن عباس على كونه بدعة، فقال: بدعة ورب الكعبة؛ ثبت ذلك عنه بإسناد صحيح.

وقد روى شعيب بن أبي حمزة [عند البيهقي بإسناد صحيح إليه]: قال: قال الزهري: أول من كشف العمى عن الناس، وبين لهم السنة في ذلك؛ عائشة زوج النبي .

قال الزهري: فأخبرني عروة بن الزبير، وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، أن عائشة زوج النبي ، قالت: إن كنت أفتل قلائد الهدي هدي النبي ، فيبعث بهديه مقلدا، وهو مقيم بالمدينة، ثم لا يجتنب شيئا، حتى ينحر هديه.

فلما بلغ الناس قول عائشة هذا؛ أخذوا بقولها، وتركوا فتوى ابن عباس. [راجع طرق حديث عائشة، الطريق رقم (٢٢)، وهو حديث صحيح، أصله متفق عليه]. وقال ابن عبد البر في الاستذكار (٤/٣٣): «وقال جمهور فقهاء الأمصار: ليس على من نسي فأحرم وعليه قميصه أن يخرقه ولا يشقه، وهو قول: عطاء وطاووس، وبه قال: مالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه، وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، والثوري، وسائر فقهاء الأمصار أصحاب الرأي والآثار، واحتجوا بحديث يعلى بن أمية في قصة الأعرابي الذي أحرم وعليه جبة فأمره رسول الله أن ينزعها. ولا خلاف بين أهل الحديث أنه: حديث صحيح، وحديث جابر - الذي يرويه عبد الرحمن بن عطاء -: ضعيف، لا يحتج به، وهو مردود أيضا بحديث عائشة؛ أنها قالت: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله ثم يقلده ويبعث به ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر الهدي، … »، وقال مثله في التمهيد (٢/ ٢٦٤) (٢/ ٢٨٨ - ط الفرقان)، ومنه قوله بعد حديث يعلى: «ولا خلاف بين أهل العلم بالحديث أنه حديث ثابت صحيح، وحديث جابر - الذي يرويه عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة - عندهم: حديث ضعيف لا يحتج به، وهو عندهم أيضا مع ضعفه: مردود بالثابت عن عائشة … »، وقد رده بمثل هذا المعنى في مخالفة حديث يعلى في قصة الأعرابي: الطحاوي في شرح المعاني (٢/ ١٣٨).

وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (٢/ ٢٨٨) بعد ذكر حديث أسد بن موسى عن حاتم بن إسماعيل: «عبد الرحمن بن عطاء: ضعيف، وذكره عبد الرزاق أيضا، وحديث أسد أتم لفظا والإسناد واحد».

وقال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم والإيهام (٢/ ١٢٩) متعقبا عبد الحق:

<<  <  ج: ص:  >  >>