فمن الحفاظ من قال: الصحيح: حديث عائشة، وحديث جابر وهم، ومنهم من قال: هما حديثان مختلفان؛ في أحدهما التقليد، وليس في الآخر، ومنهم أبو حاتم الرازي.
هـ قلت: تقدم في طرق حديث عائشة، أن ذكر التقليد محفوظ من حديث الأعمش: فقد رواه سفيان الثوري، عن منصور والأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود بن يزيد،، عن عائشة ﵂؛ أن رسول الله ﷺ أهدى مرة غنما مقلدة.
ورواه بعضهم عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود،، عن عائشة ﵂، أن رسول الله ﷺ أهدى غنما مقلدة.
ورواه خالد بن الحارث، قال: حدثنا شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم، عن الأسود،، عن عائشة ﵂، أن رسول الله ﷺ كان يهدي الغنم، ويقلدها.
ورواه أبو معاوية عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود،، عن عائشة ﵂، قالت: أهدى رسول الله ﷺ مرة إلى البيت غنما، فقلدها.
وكل هذا صحيح ثابت عن الأعمش؛ فبذا يظهر أنهما حديث واحد، وقد ذكر التقليد فيهما جميعا عن الأعمش؛ أعني: في حديث عائشة، وفي حديث جابر، فأصبح اللفظان متفقين.
وقد رواه عن الأعمش فجعله: عن إبراهيم عن الأسود، عن عائشة:
سفيان الثوري، وشعبة، وأبو معاوية، وسفيان بن عيينة، وأبو نعيم الفضل بن دكين، ويعلى بن عبيد، وحفص بن غياث، وهشيم بن بشير، وأبو خالد سليمان بن حيان الأحمر، ومحمد بن فضيل الضبي، وهم جميعا ثقات، وفيهم جماعة من أثبت أصحاب الأعمش.
وخالفهم، وانفرد عنهم: عبثر بن القاسم، فرواه عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر.
وهنا يمكن أن نقول: إن الأعمش: ثقة ثبت، مكثر جدا، يحتمل منه التعدد في الأسانيد، وعلى هذا يقبل منه الوجهان.
لكن في الجهة المقابلة: قد تفرد عنه بحديث جابر: عبثر بن القاسم، وهو وإن كان ثقة، إلا إنه لم يكن من المقدمين في الأعمش، ولا يبلغ فيه رتبة: سفيان الثوري، وشعبة، وأبي معاوية، وحفص بن غياث، وأبي نعيم، وسفيان بن عيينة، وهشيم بن بشير، ويعلى بن عبيد.
ومن وجه ثان: فإن أحدا من هؤلاء الذين رووه عن الأعمش فجعلوه من مسند عائشة، لم يروه واحد منهم بالوجه الثاني من مسند جابر.
ومن وجه ثالث: فإن عبثرا لم يروه أيضا عن الأعمش بالوجهين جميعا: عن إبراهيم، عن الأسود،، عن عائشة ﵂، وعن أبي سفيان، عن جابر؛ بل انفرد بالثاني الغريب، دون الأول المشهور.