للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ابنه أوثق وأجل وأعلم به من نافع، روى عنه الإشعار في الجانب الأيمن كما أوردنا، ولا حجة في قول أحد دون رسول الله ، والعجب من احتجاجهم بابن عمر في فعل قد اختلف عنه فيه، فمرة عليهم، ومرة ليس لهم، وهم قد خالفوا قوله الذي لم يختلف عنه فيه من أنه لا هدي إلا ما قلد وأشعر، وهذا مما خالف فيه المالكيون عمل أهل المدينة كما ذكرنا.

فإن قيل: فلم لم تقولوا أنتم بأنه لا يكون هديا إلا ما أشعر؟ للحديث الذي رويتم آنفا عن رسول الله ؛ أنه أمر ببدنته فأشعر في سنامها؟ قلنا: ليس في هذا الخبر أمر بالإشعار، ولو كان فيه لقلنا بإيجابه مسارعين، وإنما فيه أنه أمر ببدنته فأشعر في سنامها فمقتضاه أنه أمر بها فأدنيت إليه فأشعر في سنامها؛ لأنه هو تولى بيده إشعارها، بذلك صح الأثر عنه كما ذكرنا.

وروينا عن أبي بن كعب، وابن عمر إشعار البقر في أسنمتها، وعن ابن عمر: الشاة لا تقلد، ولا حجة في أحد دون رسول الله ، وقد خالفوا ابن عمر كما أوردنا آنفا في قوله في الهدي، فمن الباطل احتجاجهم بمن لا مؤنة عليهم في مخالفته.

وروينا عن سعيد بن جبير: الإبل تقلد وتشعر، والغنم لا تقلد، ولا تشعر، والبقر تقلد، ولا تشعر، وقال أبو حنيفة، ومالك: لا تقلد الغنم، ورأى مالك إشعار البقر إن كانت لها أسنمة.

قال علي: وهذا خطأ ومقلوب؛ بل الإبل: تقلد وتشعر؛ والبقر: لا تقلد، ولا تشعر، والغنم: تقلد، ولا تشعر.

وقال أبو حنيفة: لا يقلد إلا هدي المتعة والقرآن والتطوع من الإبل والبقر فقط، ولا يقلد هدي الإحصار، ولا الجماع، ولا جزاء الصيد.

وقال مالك، والشافعي: يقلد كل هدي ويشعر؛ وهذا هو الصواب لعموم فعل النبي .

وقال أبو يعلى الفراء في التعليقة الكبيرة (٢/ ٥٢٥): إشعار البدن من الإبل والبقر وتقليدها مسنون؛ نص عليه في رواية حنبل والمروذي وابن إبراهيم. وهو قول مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة: يكره الإشعار، وهو مثلة.

دليلنا: «ما روى أحمد في المسند: … » فذكر حديث ابن عباس، ثم قال: «ورواه حنبل بإسناده عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة: أن النبي » خرج في عام الحديبية في بضع عشرة مئة، فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي، وأشعره، وأحرم منها بالعمرة.

وروى حنبل بإسناده عن القاسم، عن عائشة: أن رسول الله أشعر بذي الحليفة. فإن قيل: روي عن عائشة: أنها قالت: إن شئت فأشعر، وإن شئت فلا، وإنما أشعر النبي ليعلم أنها هدي إذا ضلت.

<<  <  ج: ص:  >  >>