وقال الماوردي في الحاوي (٤/ ٣٧٣ - ٣٧٤): قال الشافعي ﵀: «وإن كان الهدي بدنة أو بقرة: قلدها نعلين وأشعرها، وضرب شقها الأيمن من موضع السنام بحديدة حتى يدميها وهي مستقبلة القبلة، وإن كانت شاة: قلدها خرب القرب، ولا يشعرها، وإن ترك التقليد والإشعار أجزأه».
قال الماوردي:«وهذا كما قال؛ إذا كان الهدي بدنة أو بقرة: فمن السنة تقليدها وإشعارها، وإن كانت شاة: فمن السنة تقليدها دون إشعارها، سواء كان هدي إحصار أو غيره. وقال أبو حنيفة: الإشعار بدعة مكروهة، والتقليد سنة إلا في هدي الإحصار، واستدل على ذلك بما روي عن رسول الله ﷺ أنه نهى عن المثلة، وفي الإشعار مثلة، وبما روي عن النبي ﷺ أنه نهى عن تعذيب الحيوان، وفي الإشعار تعذيب لها، ولأن المقصود من الهدي لحمه، والإشعار يهزله ويفسده.
ودليلنا: ما رواه الشافعي، عن سفيان، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم؛ أن رسول الله ﷺ خرج حتى إذا أتى ذا الحليفة قلد هديه وأشعره وأحرم، ولأن في الإشعار أغراضاً مستفادة، فجاز أن يكون عبادة، كالوسم، فمن ذلك: أن تتميز بالإشعار عن غيرها، ولتعرف إذا ضلت فيسوقها واجدها، وليؤمن بظهور الإشعار أن يرجع فيها مهدياً، وليحتسب اللصوص سرقتها، وليتبعها المساكين عند مشاهدتها.
وأما نهيه عن المثلة؛ فإنما كان في عام أحد سنة ثلاث، حين مثلت قريش بعمه حمزة رضوان الله عليه، وقد أشعر عام الحديبية سنة سبع، فعلم أن الإشعار ليس من المثلة التي نهى عنها، وأما نهيه عن تعذيب البهائم؛ فمخصوص فيما لا غرض فيه، وأما قولهم: إن الإشعار يهزلها فليس بصحيح؛ لأنه يسير لا يؤثر فيها بل الوسم أشد عليها. فإذا ثبت أن التقليد والإشعار سنة، فالتقليد هو: أن يقلدها بالحبال المفتولة من المسد وغيره، ويشد فيه نعل، أو قطعة من جراب، أو قربة.
وأما الإشعار فهو: أن يضرب صفحة سنامها الأيمن بحديدة حتى يدمى.
وقال مالك وابن أبي ليلى: يشعرها في سنامها الأيسر.
ودليلنا: رواية قتادة، عن أبي حسان، عن ابن عباس ﵄؛ أن رسول الله ﷺ أشعر بدنته في الجانب الأيمن، ثم سلت الدم عنها، ثم قلدها نعلين.
قال أصحابنا: ويستحب أن يقدم الإشعار على التقليد لحديث ابن عباس، وتختار أن يستقبل بها القبلة عند إشعارها وتقليدها؛ لأن ابن عمر هكذا فعل، فإن لم يكن للبدنة أو البقرة سنام، قال الشافعي: أشعر موضع سنامها، فأما الغنم تراجع، فيقلدها في أعناقها بنعل أو قطعة من شَنِّ، ولا يشعرها؛ لأنها تضعف عن احتماله».
وقال ابن حزم في حجة الوداع (ص ٢٥١ - ٢٥٢): «فهذا ابن عباس يذكر كما ترى أنه ﷺ صلى الظهر في ذي الحليفة، وأنس يذكر أنه ﷺ صلى الظهر بالمدينة، وكلا الطريقتين في غاية الصحة، وكنا توهمنا أن أحد القولين وهم، أو من بعض الرواة فأعملنا»