«مثلة، محتجا بأن النبي ﷺ نهى عن المثلة، ونهي النبي ﷺ عن المثلة إنما كان عام خيبر، وإشعار البدن في حجة الوداع في سنة عشر، ولم يكن له غزاة بعد حجة الوداع».
وقال الخطابي في المعالم (٢/ ١٥٣ - ١٥٤): «قلت»: الإشعار أن يطعن في سنامها بمبضع أو نحو ذلك، حتى يسيل دمها، فيكون ذلك علما أنها بدنة، ومنه الشعار في الحروب، وهو العلامة التي يعرف بها الرجل صاحبه، ويميز بذلك بينه وبين عدوه.
وفيه بيان أن الإشعار ليس من جملة ما نهي عنه من المثلة، ولا أعلم أحدا من أهل العلم أنكر الإشعار غير أبي حنيفة، وخالفه صاحباه، وقالا في ذلك بقول عامة أهل العلم، وإنما المثلة أن يقطع عضو من البهيمة يراد به التعذيب، أو تبان قطعة منها للأكل، كما كانوا يفعلون ذلك من قطعهم أسنمة الإبل وأليات الشاء، يبينونها والبهيمة حية، فتعذب بذلك، وإنما سبيل الإشعار: سبيل ما أبيح من الكي والتبزيغ والتوديج في البهائم، وسبيل الختان والفصاد والحجامة في الآدميين؛ وإذا جاز الكي واللدغ بالميسم ليعرف بذلك ملك صاحبه؛ جاز الإشعار ليعلم أنه بدنة نسك، فتتميز من سائر الإبل، وتصان فلا يعرض لها حتى تبلغ المحل، وكيف يجوز أن يكون الإشعار من باب المثلة؟! وقد نهى رسول الله ﷺ عن المثلة، وأشعر بدنه عام حج وهو متأخر.
وفيه أيضا من السنة: التقليد، وهو في الإبل، كالإجماع من أهل العلم.
وفيه: أن الإشعار من الشق الأيمن، وهو السنة، وقد اختلفوا في ذلك، فذهب الشافعي وأحمد بن حنبل إلى أن الاشعار في الشق الأيمن. وقال مالك: يشعر في الشق الأيسر، وروي ذلك عن ابن عمر.
قلت: ويشبه أن يكون هذا من المباح لأن المراد به التشهير والإعلام، فبأيهما حصل هذا المعنى جاز، والله أعلم.
وقال الشافعي: يشعر البقر كالإبل. وقال مالك: تشعر إن كانت لها أسنمة، وإلا فلا.
وقوله: سلت الدم بيده، أي: أماطه بإصبعه، وأصل السلت القطع، ويقال: سلت الله أنف فلان، أي: جدعه.
وقوله: استوت على البيداء، أي: علت فوق البيداء. وقال الخليل: أتينا أبا ربيعة الأعرابي وهو فوق سطح، فلما رآنا قال: استووا يريد اصعدوا.
وقال الخطابي في أعلام الحديث (٢/ ٨٩٥): «الإشعار: أن تطعن في سنام البدنة حتى يسيل منه دم، وقد أنكر الإشعار بعض أهل العلم ورآه من جملة المثلة المنهي عنها، وليس الإشعار من المثلة في شيء، وقد أشعر رسول الله ﷺ بدنه في آخر أيام حياته، وكان نهيه عن المثلة أول مقدمه المدينة، وإنما الإشعار علامة يعلم بها أنها بدنة لتتميز بها عن الأموال المملوكة، كالوسم بالحديد المحمي بالنار، لتتميز به الأملاك، ولا تختلط الأموال، فالإشعار باب والمثلة باب آخر».