بيع من البيوع، ولا يجوز أن يباع النسك بإجماع، فلهذا لا يجوز الاشتراك في الضحايا ولا الهدايا». [ونقله ابن عبد البر في التمهيد (١٢/ ١٥٤ - ١٥٨)، وزاد عليه]. قلت: لا عبرة بتأويل يخالف ظاهر النص، وفهم الصحابي الذي حضر الواقعة أولى من فهم غيره، وسيأتي في حديث جابر الثالث، أن ذلك قد وقع أيضاً في حج الفريضة، في حجة الوداع؛ فبطل اعتراضهم بالقياس.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (١٢/ ١٤٧): «هذا حديث صحيح عند أهل العلم». وقال في التمهيد (١٢/ ١٥٤ - ١٥٨): «واختلفوا في البدنة والبقرة، هل تجزئ عن سبعة محصرين أو متمتعين، أم لا؟ فقال مالك: لا يجوز الاشتراك في الهدي، لا تجزئ البدنة ولا البقرة عمن وجب عليه دم إلا عن واحد. قال: ولا يجوز الاشتراك في الهدي الواجب ولا في الضحايا. قال مالك: تفسير حديث جابر في التطوع، ولا يشترك في شيء من الواجب، قال: وأما في العمرة تطوعاً فلا بأس بذلك»، ثم نقل ما تقدم، وزاد عليه، إلى أن قال:«وقد ورد في الاشتراك في الهدي ما ورد عن السلف الذي لا يجوز عليهم تحريف التأويل ولا الجهل به، ويصح الاحتجاج لمالك في هذا الباب على مذهبه: في أن الهدي الذي ساقه رسول الله ﷺ يوم الحديبية كان تطوعاً، فأشركهم في ثوابه لا في الملك بالثمن، كما صنع بعلي في حجة الوداع إذ أشركه في الهدي الذي ساقه تطوعاً أيضاً عند مالك؛ لأنه كان مفرداً ﷺ، وفي المسألة ضروب من النظر».
ثم قال:«وقال الشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي: تجزئ البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة كلهم، وقد وجب عليه دم من تمتع أو قران أو حصر عدو أو مرض، وكل من وجب عليه ما استيسر من الهدي، وذلك شاة؛ أجزأه شرك في بقرة أو بدنة، إذا كان ذلك الشرك سبعها، أو أكثر من سبعها، ولا تجزئ البدنة ولا البقرة عن أكثر من سبعة، وهذا كله قول: الثوري، وأحمد بن حنبل، وأبي ثور، وداود بن علي، والطبري، وعامة الفقهاء، وروي ذلك عن جماعة من أصحاب النبي ﷺ، منهم: علي، وابن مسعود، … ، ومن حجة هؤلاء في تجويزهم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة قد وجب على كل واحد منهم دم: حديث أبي الزبير عن جابر المذكور في هذا الباب، وقد رواه عن جابر غير واحد، وهو حديث صحيح».
وقال في التمهيد (١٢/ ١٦٠): «وقال أبو جعفر الطبري: اجتمعت الحجة على أن البقرة والبدنة لا تجزئ عن أكثر من سبعة، قال: وفي ذلك دليل على أن حديث ابن عباس وما كان مثله خطأ ووهم أو منسوخ.
وقال أبو جعفر الطحاوي: قد اتفقوا على جوازها عن سبعة، واختلفوا فيما زاد؛ فلا تثبت الزيادة إلا بتوقيف لا معارض له واتفاق». [وانظر أيضاً: الاستذكار (٥/ ٢٣٧ - ٢٣٩)]