«حديث يونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة ﵂: نحر رسول الله ﷺ عن نسائه بقرة في حجة الوداع غلط من يونس؛ لأن يحيى بن سعيد رواه عن عمرة، وعبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة، ومالك وحماد عن عبد الرحمن، قال: ذبح عن نسائه البقر، وكان ذلك في حجة الوداع، وهو أيضاً خطأ على قول من يزعم أن البقرة عن سبعة، لأن أزواج النبي ﷺ كن تسعاً، فكيف تجزئ عنهم بقرة؟».
وقال ابن حزم في حجة الوداع (٣٠٨): «لا تعارض في هذا؛ لأن حديث أبي هريرة الذي ذكرنا آنفاً هو مفسر لحديث عائشة هذا، ومبين أن تلك البقرة التي نحرت أو ذبحت عمن اعتمر من أمهات المؤمنين هي بلا شك غير البقرة التي ضحى بها رسول الله ﷺ عن نسائه، تلك أضحية غير واجبة، وهذه البقرة فرض؛ لأنهن كن متمتعات بلا شك على ما قد ذكرنا فيما خلا من كتابنا هذا بإسناده من أنهن ﵁ لمن يكن سقن الهدي فأحللن بعمرة، ثم أهللن بالحج فوجب عليهن الهدي فرضاً بنص القرآن بقوله ﷿: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦]، فأشرك ﵇ بين من اعتمر منهن في بقرة واحدة، كما روينا عن عائشة آنفاً، وكن ﵅ تسعاً خرجت منهن عائشة بالقران؛ لأنها لم تحل بعمرة على ما قد ذكرنا فيما خلا من كتابنا هذا، وبيان آخر نذكره إن شاء الله تعالى، ولا يوجد خبر فيه نص على أنه خرجت أيضاً عن الاشتراك منهن أخرى غيرها، فبقي ثمان من التسع، وهكذا جاء الخبر الصحيح في اشتراك النفر في البقرة أو البدنة عن رسول الله ﷺ. وقد جاء بيان آخر في خروج عائشة ﵂ عن هذا الاشتراك المذكور».
قلت: حديث عائشة هذا الثابت فيه أن النبي ﷺ أهدى عن نسائه البقر، هكذا بلفظ الجمع، وليس بالإفراد، وإنما هي حادثة واحدة، فعبر فيها بعضهم بأنه ضحى، وقال آخرون: نحر، وقال آخرون: ذبح، وبين ذلك وأوضحه قول من قال: أهدى، فهو هدي عمن تمتع وقرن من نسائه، ولم يذكر فيه العدد، فظاهر الجمع فيه إطلاق العدد ثلاثة فأكثر، وعائشة كانت ممن قرن العمرة مع الحج؛ فلزمها الهدي على ما سيأتي تفصيله في موضعه إن شاء الله تعالى، وفي هذا رد أيضاً على ما ذهب إليه ابن عبد البر في التمهيد (١٢/ ١٣٦ - ١٣٧)، والله أعلم.
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (٥/ ٢٣٨): «وقد رواه غير مالك، عن ابن شهاب، عن عروة وعمرة، عن عائشة؛ أن رسول الله ﷺ نحر عن نسائه بقرة واحدة، ولا يصح من جهة النقل».
وقال ابن القيم في تهذيب السنن (٢/ ٢٨٣): «ولا ريب أن رسول الله ﷺ حج بنسائه كلهن، وهن يومئذ تسع، وكلهن كن متمتعات حتى عائشة، فإنها قرنت، فإن كان الهدي متعدداً فلا إشكال [قلت: وهذا هو ظاهر ما ثبت في الباب عن عمرة عن عائشة، وعن القاسم عن عائشة]، وإن كان بقرة واحدة بينهن، وهن تسع، فهذا حجة لإسحاق ومن قال بقوله: أن البدنة تجزئ عن عشرة، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وقد ذهب ابن حزم