وقال القرطبي في المفهم (١٠/ ٦٢): «وهذا الكلام المشكل يهون إشكاله: أنه قد رواه وكيع موقوفاً على هشام بن عروة وأبيه، فقال: قال عروة: إنه قضى الله حجها وعمرتها، قال هشام ولم يكن في ذلك هدي ولا صيام ولا صدقة. وإذا كان الأمر كذلك سهل الانفصال؛ بأن يقال: إن عروة وهشاماً لما لم يبلغهما في ذلك شيء، أخبرا عن نفي ذلك في علمهما، ولا يلزم من ذلك انتفاء ذلك الأمر في نفسه، فلعل النبي ﷺ أهدى عنها، ولم يبلغهما ذلك، وهذا التأويل أيضاً منقدح على تقدير: أن يكون هذا الكلام من قول عائشة، ويؤيده قول جابر: أن النبي ﷺ أهدى عن عائشة بقرة، على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
ويحتمل أن يكون معنى قولهم: لم يكن في ذلك هدي، ولا صوم، ولا صدقة؛ أي: لم يأمرها بذلك، ولم يكلفها شيئاً من ذلك؛ لأنه نوى أن يقوم به عنها، كما قد فعل على ما رواه جابر وغيره، والله تعالى أعلم» [وانظر: التوضيح لابن الملقن (٥/ ٩٠)].
وقد روى الزهري، وهشام بن عروة هذا الحديث بطوله: عن عروة، عن عائشة، وليس فيه قصة إهداء البقر عن نسائه.
أخرجه البخاري (٣١٦) و (٣١٧) و (٣١٩) و (١٥٥٦) و (١٦٣٨) و (١٦٩٢) و (١٧٨٣) و (١٧٨٦) و (٤٣٩٥). ومسلم (١٢١١). وأبو داود (١٧٧٨) و (١٧٨١). ويأتي تخريجه في موضعه من السنن إن شاء الله تعالى. [المسند المصنف (٣٨/ ٧٨/ ١٨١٦٥)].
• وممن وهم في ذكر قصة إهداء البقر عن نسائه في حديث عروة:
أ - ما رواه أبو هارون البكاء، عن ابن لهيعة عن بكير، عن عروة، عن عائشة؛ أن النبي ﷺ ذبح عن نسائه بقرة.
علقه ابن أبي حاتم في العلل (٤/ ٥٢٠/ ١٦١١).
سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث، فقال:«هذا حديث منكر».
قلت: البلاء فيه من أبي هارون البكاء موسى بن محمد، نزل قزوين، فإنه وإن أثنى عليه أبو حاتم، فقال:«محله عندي الصدق، قدم الشام فكتب عن صدقة بن خالد ويحيى بن حمزة، ولا أعلم أني عثرت عليه بشيء»؛ فكأنه لم يستحضر له شيئاً يُقدح به فيه، أو أنه كان يحمل مناكيره على ابن لهيعة، وأما ابن معين فقال:«لا أعرفه، ليس هو ممن ينبغي أن يكتب عنه»، وسئل أبو زرعة عنه؛ فكلح وجهه، فقيل له: أي شيء أنكروا عليه؟ فقال:«لا أعلم شيئاً أنكروا عليه، وأنا لا أحدث عنه، ولا يُعرف بالعراق»، فقال ابن أبي حاتم:«وكان في كتابنا حديث قد كان حدث عنه قديماً، فلم يقرأه علينا، فضربنا عليه»، وقال البرذعي لأبي زرعة:«أبو هارون البكاء؟ فكلح وجهه، وقال بيده هكذا. قلت: فأي شيء أنكروا عليه؟ قال: أما شيء كذا فلا أعلمه؛ إلا أن أصحابنا حكوا عن يحيى بن معين أنه قال فيه شيئاً ليس من طريق الحديث، مثل الشرك [كذا، وفي اللسان: مثل الشراب]، وأشباهه»، قلت: قد أحسن أبو حاتم الظن به وتهيب أبو زرعة الكلام