وفيه قول ثان: كان ابن عباس يقول: من لبّد، أو ضفر، أو عقد، أو فتل، أو عقص، فهو على ما نوى في ذلك، يعني: إن كان نوى الحلاقة فليحلق لابد، وإن لم يكن نوى؛ إن شاء حلق وإن شاء قصر.
وقال أصحاب الرأي: في الذي يلبّد رأسه بصمغ، أو بضفر، فإن قصر ولم يحلق يجزيه.
قال أبو بكر: «من لبّد فليحلق على ظاهر الحديث».
وقال ابن قدامة في المغني (٥/ ٣٠٤): «واختلف أهل العلم في من لبد، أو عقص، أو ضفر. فقال أحمد: من فعل ذلك فليحلق. وهو قول النخعي، ومالك، والشافعي، وإسحاق. وكان ابن عباس يقول: من لبّد، أو ضفر، أو عقد، أو فتل، أو عقص، فهو على ما نوى. يعني: إن نوى الحلق فليحلق، وإلا فلا يلزمه.
وقال أصحاب الرأي: هو مخير على كل حال؛ لأن ما ذكرناه يقتضي التخيير على العموم، ولم يثبت في خلاف ذلك دليل.
واحتج من نصر القول الأول، بأنه روي عن النبي ﷺ أنه قال: «من لبّد فليحلق». وثبت عن عمر وابنه أنهما أمرا من لبد رأسه أن يحلقه. وثبت أن النبي ﷺ لبد رأسه وأنه حلقه.
والصحيح أنه مخير، إلا أن يثبت الخبر عن النبي ﷺ.
وقول عمر وابنه قد خالفهما فيه ابن عباس، وفعل النبي ﷺ له لا يدل على وجوبه، بعدما بين لهم جواز الأمرين».
وانظر: الفتح لابن حجر (٣/ ٥٦٠) و (١٠/ ٣٦٠).
والحاصل: فإن التلبيد مستحب؛ لفعل النبي ﷺ، كما في حديث ابن عمر وحفصة، ومن لبد شعره فيستحب له الحلاق، لفعل النبي ﷺ، ولا يجب الحلق؛ حيث لم يثبت فيه حديث مرفوع، وقول عمر وابنه عبد الله يحتمل التأويل، وإن قصر أجزأه، لما سبق بيانه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
مسألة:
من لبد رأسه، ثم بدا له أن يزيل التلبيد وهو محرم لضرر لحق به؛ فهل له ذلك من غير أن يحلق، قبل أن يحل؟
فقد روى ابن عيينة [سفيان بن عيينة: ثقة حافظ]، عن العباس بن عبد الله بن معبد [ثقة من السادسة]، عن أبيه [عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب: ثقة، من الثالثة]، قال: خرجت مع خالتي ميمونة، فلبدت رأسي بعسل أو بغراء، فتنشر، فشق علي وأنا محرم، فسألتها؟ فقالت: اغمس رأسك في ماء مراراً.
أخرجه ابن أبي شيبة (٣/ ١٤١/ ١٢٨٥٠) (٧/ ٤٥٣/ ١٣٢٩٧ - ط الشثري)، و (٣/ ٣١١/ ١٤٥٠٧) (٨/ ٣٥١/ ١٥١١٧ - ط الشثري).