الإحرام، وجواز استدامته بعد الإحرام، وأنّه لا يضرّ بقاء لونه ورائحته، وإنّما يحرم ابتداؤه في الإحرام، وهو قول الجمهور، وعن مالك: يحرم، ولكن لا فدية، وفي رواية عنه: تجب، وقال محمّد بن الحسن: يكره أن يتطيّب قبل الإحرام بما يبقى عينه بعده، واحتجّ المالكيّة بأمور منها: أنّه ﷺ اغتسل بعد أن تطيب، لقوله في رواية ابن المنتشر المتقدّمة في الغسل: ثمّ طاف بنسائه ثمّ أصبح محرماً، فإنّ المراد بالطّواف الجماع، وكان من عادته أن يغتسل عند كلّ واحدة، ومن ضرورة ذلك أن لا يبقى للطّيب أثر، ويرده قوله في الرّواية الماضية أيضاً: ثمّ أصبح محرماً ينضح طيباً، فهو ظاهر في أن نضح الطّيب وهو ظهور رائحته كان في حال إحرامه، ودعوى بعضهم أنّ فيه تقديماً وتأخيراً، والتقدير: طاف على نسائه ينضح طيباً ثمّ أصبح محرماً؛ خلاف الظّاهر، ويرده قوله في رواية الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عند مسلم: كان إذا أراد أن يحرم يتطيّب بأطيب ما يجد، ثمّ أراه في رأسه ولحيته بعد ذلك، وللنّسائي وابن حبّان: رأيت الطّيب في مفرقه بعد ثلاث وهو محرم، وقال بعضهم: إنّ الوبيص كان بقايا الدّهن المطيّب الّذي تطيّب به، فزال وبقي أثره من غير رائحة، ويرده قول عائشة: ينضح طيباً، وقال بعضهم: بقي أثره لا عينه».
فإن قيل: فما حكم الطّيب للمرأة قبل الإحرام؟
قال ابن قدامة في المغني (٣/ ٣٠٣): «فصل: ويستحبّ للمرأة ما يستحبّ للرّجل؛ من الغسل عند الإحرام، والتّطيّب والتّنظّف؛ لما ذكرنا من حديث عائشة، أنّها قالت: كنّا نخرج مع رسول الله ﷺ فنضمّد جباهنا بالمسك المطيّب عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا، سال على وجهها، فيراها النّبيّ ﷺ فلا ينكره عليها.
والشّابة والكبيرة في هذا سواء؛ فإنّ عائشة كانت تفعله في عهد النّبيّ ﷺ وهي شابة.
فإن قيل: أليس قد كره ذلك في الجمعة؟ قلنا: لأنّها في الجمعة تقرب من الرّجال، فيخاف الافتتان بها، بخلاف مسألتنا، ولهذا يلزم الحجّ النّساء، ولا تلزمهنّ الجمعة، وكذلك يستحبّ لها قلّة الكلام فيما لا ينفع، والإكثار من التّلبية، وذكر الله تعالى».
قلت: حديث عائشة: حديث صحيح، تقدّم تخريجه بطرقه وألفاظه في فضل الرّحيم الودود (٣/٢٢٨/٢٥٤).
والنّهي الوارد عن تطيب المرأة منوط بافتتان الرّجال بها؛ فإذا أمنت الفتنة جاز التّطيّب، ولذلك فإنّ هذا النّهي متعلّق بحضرتها مع الرّجال الأجانب، وفي الأماكن المغلقة الّتي ينتشر فيها أثر الطّيب كالبيوت والمساجد والطّرقات الضّيقة بين البيوت [راجع: فضل الرّحيم الودود (٦/ ٣٩٩ - ٤٤٠/ ٥٦٥ - ٥٧١)]، وأما تطيب المرأة قبل الإحرام عند الميقات، فهي أرض واسعة مفتوحة يؤمن فيها أن يشمّ الرّجال طيب المرأة؛ حيث إنّ المرأة تكون مع محارمها بعيداً عن الأجانب، ثمّ تنطلق في سفرها والذي لا يقلّ في العادة عن مسير يوم يذهب معه أثر الطّيب؛ فلا تردّ الحرم إلا وقد ذهب عنها أثر الطّيب، وذلك بخلاف وسائل النّقل المعاصرة الّتي يجتمع فيها النّاس وتقرب فيها المرأة من الرّجال، مثل