وقال سليمان: عن يحيى، عن القاسم، عن أبيه، ولا يصح عن أبيه».
ولما ذكر الدارقطني طرق هذا الحديث في العلل (١/ ٢٧٠/ ٦٢)، ختمها بقوله: «وأصحها عندي: قول مالك ومن تابعه».
فتعقبه أبو مسعود الدمشقي في أجوبته على الدارقطني (١٢)، فأجاد في الرد والبيان، وأوجز العبارة، وأوضح الحجة، ورد الشبهة؛ فقال: «إذا جود عبيد الله إسناد حديث، لم يُحكم لمالك عليه فيما أرسله، فإن مالكاً كثيراً ما أرسل أشياء أسندها غيره من الأثبات، وعبدة بن سليمان: فثقة ثبت».
وقال عبد الرحمن بن مروان القنازعي: «رواه مالك عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن أسماء بنت عميس، ولم يذكر فيه عائشة.
قال لي أبو محمد [يعني: شيخه عبد الله بن محمد بن عثمان القرطبي]: ليس يصح للقاسم سماع من أسماء، وحديثه عنها في الموطأ مرسل، والصحيح فيه كما رواه ابن أبي شيبة من طريق عائشة».
وقال البيهقي: «ورواه مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه مرسلاً، دون ذكر عائشة ﵂.
ورواه يحيى بن سعيد الانصاري، عن القاسم بن محمد، عن أبيه، عن أبي بكر الصديق ﵁؛ أنه خرج حاجاً، ثم ذكره.
وجوده عبيد الله بن عمر، عن عبد الرحمن، وهو: حافظ ثقة، والله أعلم».
وقد اعتذر ابن عبد البر لمالك في إرساله هذا الحديث، حيث قال في التمهيد (١٢/ ٣١٧): «ولهذا الاختلاف في إسناد هذا الحديث أرسله مالك، والله أعلم، فكثيراً ما كان يصنع ذلك».
قلت: المحفوظ في هذا الحديث الوصل، كما رواه عبيد الله بن عمر العمري، الثقة الثبت الحافظ المجود، وليس هو بدون مالك في أهل المدينة، وقد زاد في الإسناد عائشة، والزيادة من الثقة الحافظ مقبولة، ولم ينفرد به عبيد الله، بل تابعه عليه أخوه عبد الله، هذا من وجه.
• ومن وجه ثان: فإن مالكاً مشهور بشدة التحري والاحتياط والتحفظ من الخطأ، لاسيما مع وجود الاختلاف في الحديث، فيقصر بالإسناد لأجل ذلك، فيقف المرفوع، ويرسل الموصول، وقد تقدم معنا من هذا في فضل الرحيم الودود أمثلة كثيرة، أذكر جملة منها على سبيل المثال لا الحصر:
• فمنها: حديث أبي سعيد الخدري في الشك في الصلاة والبناء على اليقين، وفيه قال الأثرم: «سألت أحمد بن حنبل عن حديث أبي سعيد في السهو، أتذهب إليه؟ قال: نعم؛ أذهب إليه، قلت: إنهم يختلفون في إسناده، قال: إنما قصر به مالك، وقد أسنده عدة، منهم: ابن عجلان، وعبد العزيز بن أبي سلمة» [التمهيد (٥/٢٥)، الاستذكار (١/